تعالى من شاء اضلاله وهدى من شاء هدايته حسبما اقتضته حكمته تعالى البالغة والحذف للايذان بأن مسارعة كل رسول الى ما أمر به وجريان كل من الفعلين على سننه أمر محقق غني عن الذكر والبيان وفي الكشف وجه التعقيب عن السابق كوجهه في قوله تعالى : يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا على معنى أرسلنا الكتاب للتبين فمنهم من نفعناه بذلك البيان ومنهم من جعلناه حجة عليه والفاء على هذا تفصيلية والعدول الى صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أو الدلالة على التجدد والاستمرار حيث تجدد البيان من الرسل عليهم السلام المتعاقبة عليهم وتقديم الاضلال على الهداية كما قال بعض المحققين إما لأنه ابقاء ما كان على ما كان والهداية انشاء ما لم يكن أو للمبالغة في بيان أنه لاتأثير للتبيين والتذكير من قبل الرسل عليهم السلام وأن مدار الامر انما هو مشيئته تعالى بايهام أن ترتب الضلالة أسرع من ترتب الاهتداء وهذا محقق لما سلف من تقييد لاخراج من الظلمات الى النور باذن ربهم وهو العزيز فلا يغالب في مشيئته تعالى الحكيم .
4 .
- فلا يشاء مايشاء الا لحكمة بالغة وفيه كما في البحر وغيره أن ما فوض الى الرسل عليهم الصلاة والسلام انما هو التبليغ وتبيين طريق الحق وأما الهداية والارشاد اليه فذلك بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم مايريد .
ثم أن هذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة من أن الضلالة والهداية بخلقه سبحانه وقد ذكر المنزلة لها عدة تأويلات وللامام فيها كلام طويل ان أردته فارجع اليه ولقد أرسلنا موسى شروع في تفصيل ما أجمل في قوله تعالى : وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه الآية بآياتنا أي ملتبسا بها وهي كما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير الآيات التسع التي أجراها الله تعالى على يده عليه السلام وقيل : يجوز أن يراد بها آيات التوراة أن أخرج قومك بمعنى أي أخرج فإن تفسيرية لأن في الارسال معنى القول دون حروفه أو بأن أخرج فهي مصدرية حذف قبلها حرف الجر لأن ارسل يتعدى بالباء والجار يطرد حذفه قبل أن وأن واتصال المصدرية بالأمر أمر مر تحقيقه .
وزعم بعضهم أن أن هنا زائدة ولايخفى ضعفه والمراد من قومه عليه السلام كما هو الظاهر بنو إسرائيل ومن إخراجهم إخراجهم بعد مهلك فرعون من الظلمت من الكفر والجهالات التي كانوا فيها وأدت بهم إلى أن يقولوا : ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إلى النور إلى الأيمان بالله تعالى وتوحيده وسائر ماأمروا به وقيل : أخرجهم من ظلمات النقص إلى نور الكمال وذكرهم بأيام الله أي بنعمائه وبلائه كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الطبري لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الكلام والعطف على أخرج وجوز أن تكون الجملة مستأنفة والالتفات من التكلم إلى الغيبة باضافة الايام إلى الاسم الجليل للايذان بفخامة شأنها والاشعار على ماقيل بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما يوهمه الاضافة إلى ضمير المتكلم وحاصل المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد وعن ابن عباس أيضا والربيع ومقاتل وابن زيد المراد بأيام الله وقائعه سبحانه ونقماته في الأمم الخالية ومن ذلك أيام العرب لحروبها وملاحمها كيوم ذي قار ويوم الفجار ويوم قضة وغيرها واستظهره الزمخشري للغلبة العرفية وأن العرب استعملته للوقائع وأنشد الطبرسي