لما سألوا الآيات ود المؤمنون أن يظهرها الله تعالى ليجتمعوا على الايمان هذا على التقدير الأول وأما على التقدير الثاني فالاضراب متوجه إلى ماسلف من اقتراحهم مع كونهم في العناد على ما شرح والمعنى فليس لهم ذلك بل الله تعالى الامر إن شاء أتى بما اقترحوا وإن شاء سبحانه لم يأت به حسبما تستدعيه حكمته الباهرة من غير أن يكون لأحد عليه جل جلاله حكم أو اقتراح واليأس بمعنى القنوط كما هو الشائع في معناه أي ألم يعلم الذين آمنوا حالهم هذه فلم يقنطوا من ايمانهم حتى ودوا ظهور مقترحاتهم فالانكار متوجه إلى المعطوفين أو أعلموا ذلك فلم يقنطوا من إيمانهم فهو متوجه إلى وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه أي إلى تخلف القنوط عن العلم المذكور والانكار على هذين التقديرين إنكار الواقع لا الوقوع فان عدم قنوطهم من ذلك مما لامرد له وقوله تعالى : أن لو يشاء الله الى آخره مفعول به لعلما محذوف وقع مفعولا له أي أفلم ييأسوا من ايمان الكفار علما منهم بأنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وأنه لم يشأ ذلك وقد يجعل العلم في موضع الحال أي عالمين بذلك ولم يعتبر التضمين لبعده ويجوز أن يكون متعلقا بآمنوا بتقدير الباء أي أفلم يقنط الذين آمنوا وصدقوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا على معنى أفلم يياس من ايمان هؤلاء الكفرة المؤمنون بمضمون هذه الشرطية وبعدم تحققها المنفهم من مكابرتهم حسبما يحكيه كلمة لو فالوصف المذكور من دواعي انكار يأسهم وبما أشرنا اليه ينحل ما قيل : من أن تعلق الايمان بمضمون الشرطية وتخصيصه بالذكر يقتضي أن لذلك دخلا في اليأس من الايمان مع أن الامر بالعكس لأن قدرة الله تعالى على هداية جميع الناس يقتضي رجاء ايمانهم لا اليأس منه وذلك لاعتبار العلم بعدم تحقق المضمون أيضا .
وقال بعضهم في الجواب عن ذلك : ان وجه تخصيص الايمان بذلك أن ايمان هؤلاء الكفرة المصممين كأنه محال متعلق بمالايكون لتوقفه على مشيئة الله تعالى هداية جميع الناس وذلك مالايكون بالاتفاق وهو في معنى ماأشير اليه وذكر أبو حيان احتمالا آخر في الآية وهو أن الكلام قد تم عند قوله سبحانه : أفلم ييأس الذين آمنوا وهو تقرير أي قد يئس المؤمنون من ايمان هؤلاء المعاندين و أن لو يشاء الخ جواب قسم محذوف أي أقسم لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ويدل على اضمار القسم وجود ان مع لو كقوله : أما والله ان لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق وقوله : فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لنا يوم من الشر مظلم وقد ذكر سيبويه أن أن تأتي بعد القسم وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم بالجملة المقسم عليها انتهى وفيه من التكلف ما لايخفى ومن الناس من جعل الاضراب مطلقا عما تضمنه لو من معنى النفي على معنى بل الله تعالى قادر على الاتيان بما اقترحوا الا أن أرادته لم تتعلق بذلك لعلمه سبحانه بأنه لاتلين له شكيمتهم ولا يخفى أنه ظاهر على التقدير الثاني وأما على التقدير الاول فقد قيل : إن إرادة تعظيم شأن القرآن لاتنافي الرد على المقترحين وأيد جانب الرد بما أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان كنت نبيا كما تزعم فباعد جبلي مكة أخشبيها هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة فانها ضيقة حتى نزرع فيها ونرعى وابعث لنا أباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي أو احملنا الى الشام أو الى اليمن أو الى الحيرة حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت انك فعلته فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس أنهم قالوا : سير بالقرآن الجبال قطع بالقرآن الارض أخرج