فلو علم القدر علمت ولو علمت أحكامه لاستقل العبد في العلم بكل شيء وما احتاج اليه سبحانه في شيء وكان له الغني على الاطلاق وسر القدر عين تحكمه في الخلائق وأنه لاينكشف لهم هذا السر حتى يكون الحق بصرهم .
وقد ورد النهي عن طلب علم القدر وفي بعض الآثار أن عزيرا عليه السلام كان كثير السؤال عنه الى أن قال الحق سبحانه له : ياعزير لئن سألت عنه لأمحون اسمك من ديوان النبوة ويقرب من ذلك السؤال عن علل الأشياء في مكنوناتها فان أفعال الحق لاينبغي أن تعلل فان ما ثم علة موجبة لتكوين شيء إلا عين وجود الذات وقبول عين الممكن لظهور الوجود والأزل لايقبل السؤال عن العلل والسؤال عن ذلك لايصدر إلا عن جاهل بالله تعالى فافهم ذاك والله سبحانه يتولى هداك ولما دخلوا على يوسف ءاوى أي ضم اليه أخاه بنيامين قال المفسرون : إنهم لما دخلوا عليه السلام قالوا : أيها الملك هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به فقال لهم : أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي وبلغوه رسالة أبيهم فانه عليه السلام لما ودعوه قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك ويشكر صنيعك معنا وقال أبو منصور المهراني : إنه عليه السلام خاطبه بذلك في كتاب فلما قرأه يوسف عليه السلام بكى ثم أنهأكرمهم وأنزلهم وأحسن نزلهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحيدا فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه فقال يوسف عليه السلام : بقى أخوكم وحده فقالوا له : كان له أخ فهلك قال : فأنا أجلسه معه على مائدة وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمرهم بمثل ذلك وقال : ينام كل اثنين منكم على فراش فبقي بنيامين وحده فقال : هذا ينام عندي على فراشي فنام مع يوسف عليه السلام على فراشه فجعل يوسف عليه السلام يضمه اليه ويشم ريحه حتى أصبح وسأله عن ولده فقال : لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك فقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال : من يجد أخا مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام اليه وعانقه وتعرف اليه عند ذلك قال اني أنا أخوك يوسف فلا تبتئس أي فلا تحزن بما كانوا يعملون .
96 .
- بنا فيما مضى فان الله تعالى قد أحسن الينا وجمعنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك والقول بأنه عليه السلام تعرف اليه وأعلمه بأنه أخوه حقيقة هو الظاهر وروى عن ابن عباس وابن اسحاق وغيرهما إلا أن ابن إسحق قال : إنه عليه السلام قال له بعد أن تعرف اليه : لا تبال بكل ماتراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم قال ابن عطية : وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بما كانوا يعملون إلى ما يعمله فتيانه عليه السلام من أمر السقاية ونحو ذلك وهو لعمري مما لايكاد يقول به من له أدنى معرفة بأساليب الكلام وقال وهب : إنما أخبر عليه السلام أنه قائم مقام أخيه الذاهب في الود ولم يكشف اليه الأمر ومعنى لاتبتئس الخ لاتحزن بما كنت تلقاه منهم من الحسد والأذى فقد أمنتهم وروى أنه قال ليوسف عليه السلام : أنا لاأفارقك قال : قد علمت اغتمام والدي فاذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلي مالا يجمل قال : لا أبالي فافعل مابدا لك قال : فاني أدس صاعي في