وعلمنا بذلك رصين لا بتأويل الرؤى ووجهه على الأول ظاهر وادعى أن المقام يطابقه ووروده على ذلك الأسلوب مقوله لا موهن خلافا لما في الإنتصاف ويقوي عند اختيار الوجه الثاني إذا كان الخطاب لجلسائه وأهل مشورته من أهل الحل والعقد لأن الأغلب على أمثالهم الجهل بمثل هذا العلم الذي لا يعلمه إلا أفراد من الناس وقال الذي نجا منهما أي صاحبي يوسف عليه السلام وهو الشرابي واكر بالدال غير المعجمة عند الجمهور وأصله إذتكر أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال فيها .
وقرأ الحسن اذكر بابدال التاء ذالا معجمة وإدغام الذال المعجمة فيها والقراءة الأولى أفصح والمعنى على كليهما تذكر ما سبق له مع يوسف عليه السلام بعد أمة أي طائفة من الزمان ومدة طويلة .
وقرأ الأشهب العقيلي إمة بكسر الهمزة وتشديد الميم أي نعمة عليه بعد نعمة والمراد بذلك خلاصه من القتل والسجن وإنعام ملكه عليه وعلى هذا جاء قوله : ألا لا أرى ذا إمة أصبحت به فتتركه الأيام وهي كما هي وقال ابن عطية : المراد بعد نعمة أنعم الله تعالى بها على يوسف عليه السلام وهي تقريب إطلاقه ولا يخفى بعده وقرأ ابن عباس وزيد بن علي رض الله تعالى عنهم وأمة وأمه بفتح الهمزة والميم المخففة وهاء منونة من أمه يأمه أمها إذا نسي وجاء في المصدر أمه بسكون الميم أيضا فقد روي عن مجاهد وعكرمة وشبيل ابن عزرة البعي أنهم قرأوا بذلك ولا عبرة بمن أنكر والجملة اعتراض بين القول والمقول وجوز أن تكون حالا من الموصول أو من ضميره في الصلة ويحتاج ذلك إلى تقدير قد على المشهور وقيل : معطوفة على نجا وليس بشيء كما قال بعض المحققين لأن حق كل من الصلة والصفة أن تكون معلومة الإنتساب إلى الموصول والموصوف عند المخاطب كما عند المتكلم ومن هنا قيل : الأوصاف قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها أوصاف وأنت تعلم أن تذكره بعد أمة إنما علم بهذه الجملة فلا معنى لنظمه مع نجاته المعلومة من قبل في سلك الصلة أنا أنبئكم بتأويله أي أخبركم بتأويل ذلك الذي خفى أمره بالتلقي ممن عنده علمه لا من تلقاء نفسي ولذك لم يقل أفتيكم في ذلك وعقبه بقوله : فأرسلون .
45 .
- إلى من عنده علمه وأراد به يوسف عليه السلام وإنما لم يصرح به حرصا على أن يكون هو المرسل إليه فإنه لو ذكره فلربما أرسلوا غيره وضمير الجمع إما لأنه أراد الملك وحده لكن خاطبه بذلك على سبيل التعظيم كما هو المعروف في خطاب الملوك ويؤيده ما روي أنه لما سمع مقالة القوم جثى بين يدي الملك وقال : إن في السجن رجلا عالما يعبر الرؤيا فابعثوني إليه فبعثوه وكان السجن على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في غير مدينة الملك وقيل : كان فيها قال أبو حيان ويرسم الناس اليوم سجن يوسف عليه السلام في موضع النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه كان يقرأ أنا آتيكم مضارع أتى من الإتيان فقيل له : إنما هو أنا أنبئكم فقال : أهو كان ينبئهم ! وأخرج ابن المنذر وغيره عن أبي أنه قرأ أيضا كذلك