فلان لهذا الأمر إذا كان مستقبلا به متمكنا منه وجملة تعتبرون خبر آخر أو حال ولا يخفى ما في ذلك من التكلف وكذا فيما قبله .
وقرأ أبو جعفر بالإدغام في الرؤيا وبابه بعد قلب الهمزة واوا ثم قلب الواو ياءا لسبقها إياها ساكنة ونصوا على شذوذ ذلك لأن الواو بدل غير لازم قالوا استئناف بياني كأنه قيل : فماذا قال الملأ للملك إذ قال لهم ذلك فقيل : قالوا : هي أضغاث أحلام أي هي أضغاث الخ وهي جمع ضغث وهو أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من أخلاط النبات وقد يطلق على ما كان من جنس واحد كما في قوله : خود كأن فراشها وضعت به أضغاث ريحان غداة شمال وجعل من ذلك ما في قوله تعالى : فخذ بيدك ضغثا فاضرب به فقد روي أن أيوب عليه السلام أخذ عثكالا من النخل فضرب به وفي الكشاف أن أضغاث الأحلام تخاليطها وأباطيلها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان وقد استعيرت لذلك وأصلها ما جمع من أخلاط النبات وحزمه وإضافتها على معنى من أي أضغاث من أحلام وأورد عليه أن الأضغاث إذا استعيرت للأحلام الباطلة والأحلام مذكورة ولفظ هي المقدر عبارة عن رؤيا مخصوصة فقد ذكر المستعار والمستعار له وذلك مانع من الإستعارة على الصحيحين عندهم وقد أجاب الكثير عن ذلك بما لا يخلو عن بحث وذكر بعض المحققين في تقرير ذاك وجهين .
الأول أنه يريد أن حقيقة الأضغاث أخلاط النبات فشبه به التخاليط والأباطيل مطلقا سواء كانت أحلاما أم غيرها ويشهد له قول الصحاح والأساس : ضغث الحديث خلطه ثم أريد هنا بواسطة الإضافة أباطيل مخصوصة فطرفا الإستعارة أخلاط النبات والأباطيل الملفقات فالأحلام ورؤيا الملك خارجان عنهما فلا يضر ذكرهما كما إذا قلت : رأيت أسد قريش فهو قرينة أو تجريد وقوله : تخاليطها تفسير له بعد التخصيص وقوله : وقد استعيرت لذلك إشارة إلى التخاليط .
الثاني أن الأضغاث استعيرت للتخاليط الواقعة في الرؤيا الواحدة فهي أجزاؤها لا عينها فالمستعار منه حزم النبات والمستعار له أجزاء الرؤيا وهذا كما إذا استعرت الورد للخد ثم قلت : شممت ورد هند مثلا فإنه لا يقال : إنه ذكر فيه الطرفان أه ولا يخفى ما فيه من التكلف وارتكاب غير الظاهر .
واستظهر بعضهم كون أضغاث أحلام من قبيل لجين الماء ولا يخفى أنه سالم عما أورد على الزمخشري إلا أن صاحب الأساس قد صرح بأن ذلك من المجاز والمتبادر منه المجاز المتعارف الذي لا يطلق على ما ذكره ولعل الأمر في ذلك سهل والأحلام جمع حلم بضمة وبضمتين المنامات الباطلة على ما نص عليه جمع وقال بعضهم : الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم مطلقا لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على خلافه وفي الحديث الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان وقال التوربشتي : الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق من الإصطلاحات التي سنها الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمي ما كان من الله تعالى وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عن القسم الصالح لما فيها من الدلالة على مشاهدة الشيء بالبصر والبصيرة وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن أصل