غيري لأجعلنك من المسجونين .
وثانيها أنها لما شاهدت من يوسف عليه السلام أنه إستعصم منها مع أنه كان في عنفوان الشباب وكمال القوة ونهاية الشهوة عظم إعتقادها في طهارته ونزاهته فاستحيت أن تقول : إن يوسف قصدني بسوء وما وجدت من نفسها أن ترميه بهذا الكذب على سبيل التصريح بل إكتفت بهذا التعريض وليت الحشوية كانوا يكتفون بمثل ما إكتفت به ولكنهم لم يفعلوه ووصفوه بعد قريب من أربعة آلاف سنة بما وصفوه من القبيح وحاشاه .
وثالثها أن يوسف عليه السلام أراد أن يضربها ويدفعها عن نفسه وكان ذلك بالنسبة إليها جاريا مجرى السوء فقولها ما جزاء إلخ جار مجرى التعريض فلعلها بقلبها كانت تريد إقدامه على دفعها ومنعها وفي ظاهر الأمر كانت توهم أنه قصدني بما لا ينبغي إنتهى المراد منه وفيه من الأنظار ما فيه .
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أو عذابا أليما بالنصب على المصدرية كما قال الكسائي : أي أو يعذب عذابا أليما إلا أنه حذف ذلك لظهوره وهذه القراءة أوفق بقوله تعالى : أن يسجن ولم يظهر في سر إختلاف التعبير على القراءة المشهورة ما يعول عليه والله تعالى أعلم بأسرار كتابه فتدبر قال إستئناف وجواب عما يقال : فماذا قال يوسف عليه السلام حينئذ فقيل : قال : هي ؤاودتني عن نفسي أي طالبتني للمواتاة لا أني أردت بها سوءا كما زعمت وإنما قاله عليه السلام لتنزيه نفسه عن التهمة ودفع الضرر عنها لا لتفضيحها .
وفي التعبير عنها بضمير الغيبة دون الخطاب أو إسم الإشارة مراعاة لحسن الأدب مع الإيماء إلى الإعراض عنها كذا قالوا وفي هذا الضمير ونحوه كلام فقد ذكر ابن هشام في بعض حواشيه على قول ابن مالك في ألفيته : .
فما لذي غيبة أو حضور .
إلخ لينظر إلى نحو هي راودتني فإن هي ضمير باتفاق وليس هو الغالب بل لمن بالحضرة وكذا يا أبت استأجره وهذا في المتصل وذاك في المنفصل وقول من يخاطب شخصا في شأن آخر حاضر معه قلت له : إتق الله تعالى وأمرته بفعل الخير وقد يقال : إنه نزل الضمير فيهن منزلة الغائب وكذا في عكس ذلك يبلغك عن شخص غائب شيء فنقول : ويحك يا فلان أتفعل كذا تنزيلا له منزلا من بالحضرة وحينئذ يقال : الحد المستفاد مما ذكر إنما هو للضمير بإعتبار وضعه أه .
وقال السراج البلقيني في رسالته المسمات نشر العبير لطي الضمير المفسر لضمير الغائب إما مصرح به أو مستثنى بحضور مدلوله حسا أو علما فالحس نحو قوله تعالى : هي راودتني و يا أبت استأجره كما ذكره ابن مالك وتعقبه شيخنا أبو حيان بأنه ليس كما مثل به لأن هذين الضميرين عائدان على ما قبلهما فضمير هي راودتني عائد على الأهل في قولها : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ولما كنت عن نفسها بذلك ولم تقل بي بدل بأهلك كني هو عليه السلام عنها بضمير الغيبة فقال : هي راودتني ولم يخاطبها بأنت راودتيني ولا أشار إليها بذم راودتني وكل هذا على سبيل الأدب في الألفاظ والإستحياء في الخطاب الذي لا يليق بالأنبياء عليهم السلام فأبرز الأسم في صورة ضمير الغائب تأدبا مع العزيز وحياءا منه وضمير استأجره عائد على موسى فمفسره مصرح بلفظه وكأن ابن مالك تخيل أن هذا موضع إشارة لكون صاحب الضمير حاضرا عند المخاطب فاعتقد أن المفسر يستغني عنه بحضور مدلوله حسا فجرى الضمير مجرى إسم الإشارة والتحقيق ما ذكرناه هذا كلامه .
وعندي أن الذي قاله ابن مالك أرجح مما قاله الشيخ وذلك أن الإثنين إذا وقعت بينهما خصومة عند حاكم فيقول المدعي للحاكم : لي على هذا كذا : فيقول المدعى عليه : هو يعلم أنه لا حق له علي فالضمير في هو إنما