أن ما استظهره في البحر سالم عن المخالفة والنظرية أمر معهود في الكتاب الجليل وإنما أجريت هذه المتعاطفات مجرى العقلاء في الضمير جمع الصفة لوصفها بوصف العقلاء أعني السجود سواء كان المراد منه التواضع أو السجود الحقيقي وإعطاء الشيء الملابس لآخر من بعض الوجوه حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة والمقاربة شائع في الكلام القديم والحديث وفي الكلام على ما قيل : إستعارة مكنية بتشديد المذكورات بقوم عقلاء ساجدين والضمير والسجود قرينة أو أحدهما قرينة تخييلية والآخر ترشيح .
وذهب جماعة من الفلاسفة إلى أن الكواكب أحياء ناطقة واستدل لهم بهذه الآية ونظائرها وكثير من ظواهر الكتاب والسنة يشهد لهم وليس في القول بذلك إنكار ما هو من ضروريات الدين وتقديم الجار والمجرور لإظهار العناية والإهتمام مع ما في ضمنه على ما قيل : من رعاية الفواصل وكانت هذه الرؤيا فيما قيل : ليلة الجمعة وأخرج أبو الشيخ عن ابن منبه أنها كانت ليلة القدر ولعله لا منافاة لظهور إمكان كون ليلة واحدة ليلة القدر وليلة الجمعة واستشكل كونها في ليلة القدر بأنها من خواص هذه الأمة وأجيب بأن ما هو من الخواص تضعيف ثواب العمل فيها إلى ما قص الله سبحانه وكان عمره عليه السلام حين رأى ذلك إثنتي عشرة سنة فيما يروى عن وهب .
وقيل : سبع عشرة سنة وكان قد رأى قبل وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى إقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لأخوتك وتعبير العصى لأحدى عشرة وهو بعينه تعبيرا لأحد عشر كوكبا فإن كلا منهما إشارة إلى إخوته وليس في الرؤية الأولى ما يشير إلى ما يشير إليه الشمس والقمر في الرؤية الثانية ولا ضرورة إلى التزام القول بإتحاد المنامين بأن يقال : إنه عليه السلام رأى في كل أحد عشر شيئا إلا أن ذلك في الأول عصى وفي الثاني كواكب ويكون عطف الشمس والقمر على ما قبله من قبيل عطف ميكائيل وجبريل عليهما السلام على الملائكة كما يوهمه كلام بعضهم وعبرت الشمس بأبيه والقمر بأمه إعتبارا للمكان والمكانة .
وروي ذلك عن قتادة وعن السدي أن القمر خالته لأن أمه راحيل قد ماتت والقول : بأن الله تعالى أحياها بعد لتصديق رؤياه لا يخفى حاله وعن ابن جريج أن الشمس أمه والقمر أبوه وهو إعتبار للتأنيث والتذكير وقد تعبر الشمس بالملك وبالذهب وبالزوجة الجميلة والقمير بالأمير والكواكب بالرؤساء وكذا بالعلماء أيضا .
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن رؤية القمر تؤول علىأحد سبعة عشر وجها ملك أو وزير أو نديم الملك أو رئيس أو شريف أو جارية أو غلام أو أمر باطل أو وال أو عالم مفسد أو رجل معظم أو والد أو والدة أو زوجة أو بعل لها أو ولد أو عظمة ولعل ذلك مبني على إختلاف الرائي وكيفية الرؤية وزعم بعضهم أنه عليه السلام لم يكن رأى الكواكب ولا الشمس والقمر وإنما رأى إخوته وأبويه إلا أنه عبر عنهم بذلك على طريقة الإستعارة التصريحة وهو خلاف الظاهر جدا ويكاد يعد من كلام النائم ويؤيد ظاهر ما نقله كثير من المفسرين أنه عليه السلام رأى الكواكب والشمس والقمر قد نزلت فسجدت له فقص ذلك على أبيه قال يا بني صغره للشفقة ويسمي النحاة مثل هذا تصغير التحبيب وما ألطف قول بعض المتأخرين :