ووجه الدفع بذلك التقدير ظاهر لأن الدخول ليس على الفاعل حينئذ .
وجوز أن يكون ذلك التقدير لما أن التوفيق وهو كون فعل العبد موافقا لما يحبه الله تعالى ويرضاه لا يكون إلا بدلالة الله تعالى عليه ومجرد الدلالة لا يجدي بدون المعونة منه عز شأنه عليه توكلت في ذلك أو في جميع أموري لا على غيره فإنه سبحانه القادر المتمكن من كل شيء وغيره سبحانه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الإعتبار كما أشار إليه الكتاب وعاينه أولو البصائر والألباب وإليه المصير .
88 .
- أي أرجع فيما أنا بصدده أو أقبل بشراشري في مجامع أموري لا إلى غيره والجملة معطوفة على ما قبلها وكأن إيثار صيغة الإستقبال فيها على الماضي الأنسب للتقرر والتحقق كما في التوكل لإستحضار الصورة والدلالة على الإستمرار ولا يخفى ما في جوابه عليه السلام مما لا يكاد يوجد في كلام خطيب إلا أن يكون نبيا .
وفي أنوار التنزيل لأجوبته عليه السلام الثلاثة يعني يا قوم أرأيتم إلخ وما أريد أن أخالفكم إلخ و إن أريد إلخ على هذا النسق شأنا وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره ثلاثة حقوق أهمها وأعلاها حق الله تعالى فإن الجواب الأول متضمن بيان حق الله تعالى من شكر نعمته والإجتهاد في خدمته وثانيها حق النفس فإن الجواب الثاني متضمن بيان حق نفسه من كفها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره وثالثها حق الناس فإن الجواب الثالث متضمن للإشارة إلى أن حق الغير إصلاحه وإرشاده وإنما لم يعطف قوله : إن أريد إلخ ما قبله لكونه مؤكدا ومقررا له لأنه لو أراد الإستئثار بما نهى عنه لم يكن مريدا للإصلاح ولا ينافي هذا كونه متضمنا لجواب آخر وكأن قوله : وما توفيقي إلخ إزاحة لما عسى أن يوهمه إسناد الإستطاعة إليه بإرادته من استبداده بذلك ونظير ذلك إياك نعبد وإياك نستعين وفيه مع ما بعده إشارة إلى محض التوحيد وقال غير واحد : إنه قد اشتمل كلامه عليه السلام على مراعاة لطف المراجعة ورفق الإستنزال والمحافظة على حسن المجاراة والمحاورة وتمهيد معاقد الحق بطلب التوفيق من جانبه تعالى والإستعانة به عز شأنه في أمورهم وحسم أطماع الكفار وإظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم قيل : وفيه أيضا تهديدهم بالرجوع إلى الله تعالى للجزاء وذلك من قوله : وإليه أنيب لأن الرجوع إليه سبحانه يكنى به عن الجزاء وهو وإن كان هنا مخصوصا به لاقتضاء المقام له لكنه لا فرق فيه بينه وبين غيره وفيه مع خفاء وجه الإشارة أن الإنابة إنما هي الرجوع الإختياري بالفعل إليه سبحانه لا الرجوع الإضطراري للجزاء وما يعمه وقد يقال : إن في قوله : عليه توكلت إشارة أيضا إلى تهديدهم لأنه D الكافي المعين لمن توكل عليه لكن لا يتعين أن يكون ذلك تهديدا بالجزاء يوم القيامة ويقوم لا يجرمنكم أي لا يكسبنكم شقاقي أي معاداتي وأصلها أن أحد المتعاديين يكون في عدوة وشق والآخر في آخر وروي هذا عن السدي وعن الحسن ضراري وعن بعض فراقي والكل متقارب وهو فاعل يجرمنكم والكاف مفعوله الأول وقوله سبحانه : أن يصيبكم مفعوله الثاني وقد جاء تعدي جرم إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد وهي مثل كسب في ذلك ومن الأول قوله : ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وإضافة شقاق إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم