وقرأ الحسن وزيد بن علي وعيسى الثقفي وسعيد بن جبير والسدي أطهر بالنصب وقد خفي وجهه حتى قال عمرو بن العلاء : إن من قرأ أطهر بالنصب فقد تربع في لحنه وذلك لأن إنتصابه على أن يجعل حالا عمل فيها ما في هؤلاء من الإشارة أو التنبيه أو ينصب هؤلاء بفعل مضمر كأنه قيل : خذوا هؤلاء و بناتي بدل ويعمل هذا المضمر في الحال و هن في الصورتين فصل وهذا لا يجوز لأن الفصل إنما يكون بين المسند والمسند إليه ولا يكون بين الحال وذيها كذا قيل وهذا المنع هو المروي عن سيبويه وخالف في ذلك الأخفش فأجاز توسط الفصل بين الحال وصاحبها فيقول : جاء زيد هو ضاحكا وجعل من ذلك هذه الآية على هذه القراءة وقيل : بوقوعه شذوذا كما في قولهم : أكثر أكلي التفاحة هي نضيجة ومن منع ذلك خرج هذا على إضمار كان والآية الكريمة على أن هن مبتدأ و لكم الخبر و أطهر حال من الضمير في الخبر واعترض بأن فيه تقديم الحال على عاملها الظرفي والأكثرون على منعه أو على أن يكون هؤلاء مبتدأ و بناتي هن جملة في موضع خبر المبتدأ كقولك : هذا أخي هو ويكون أطهر حالا وروي هذا عن المبرد وابن جني أو على أن يكون هؤلاء مبتدأ و بناتي بدلا منه أو عطف بيان و هن خبر و أطهر على حاله .
وتعقب بأنه ليس فيه معنى طائل ودفع بأن المقصود بالإفادة الحال كما في قولك : هذا أبوك عطوفا وادعى في الكشف أن الأوجه أن يقدروا خذوا هؤلاء أطهر لكم وقوله : بناتي هن جملة معترضة تعليلا للأمر وكونهن أولى قدمت للإهتمام كأنه قيل خذوا هؤلاء العفائف أطهر لكم إن بناتي هن وأنتم تعلمون طهارتي وطهارة بناتي ويجوز أن يقال هن تأكيد للمستكن في بناتي لأنه وصف مشتق لا سيما على المذهب الكوفي فافهم ولا تغفل فاتقوا الله بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم ولا تخزون في ضيفي أي لا تفضحوني في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاء له أولا تخجلوني فيهم والمصدر على الأول الخزي وعلى الثاني الخزاية وأصل معنى خزي لحقه إنكسار إما من نفسه وهو الحياء المفرط وإما من غيره وهو الإستخفاف والتفضيح والضيف مصدر ولذا إذا وصف به المثنى أو المجموع لم يطابق على المشهور وسمع فيه ضيوف وأضياف وضيفان ولا ناهية والفعل مجزوم بحذف النون والموجودة نون الوقاية والياء محذوفة بالكسرة وقريء بإثباتها على الأصل أليس منكم رجل شديد يهتدي إلى الحق الصريح ويرعوي عن الباطل القبيح وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه قال : يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر وهو إما بمعنى ذو رشد أو بمعنى مرشد كالحكيم بمعنى المحكم والإستفهام للتعجب وحمله على الحقيقة لا يناسب المقام قالوا معرضين عما نصحهم به من الأمر بالتقوى والنهي عن الإخزاء عن أول كلامه لقد علمت ما لنا في بناتك من حق أي حق وهو واحد الحقوق وعنوا به قضاء الشهوة أي ما لنا حاجة في بناتك وقد يفسر بما يخالف الباطل أي ما لنا في بناتك نكاح حق لأنك لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات وما هو إلا عرض سابري كذا قيل وهو ظاهر في أنه كان من شريعته عليه السلام عدم حل نكاح الكافر المسلمة .
وقيل : إنما نفوا أن يكون لهم حق في بناته لأنهم كانوا قد خطبوهن فردهم وكان من سنتهم أن من رد في خطبة إمرأة لم تحل له أبدا وقيل : إنهم لما إتخذوا إتيان الذكور مذهبا كان عندهم هو الحق وأن نكاح الإناث من الباطل فقالوا ما قالوا وقيل : قالوا ذلك لأن عادتهم كانت أن لا يتزوج الرجل منهم إلا واحدة وكانوا