إنا نريد أن تضيفنا الليلة فقال : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم فقالوا : وما عملهم فقال : أشهد بالله تعالى أنهم شر قوم في الأرض وقد كان الله تعالى قال للملائكة لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فلما قال هذه قال جبريل عليه السلام : هذه واحدة وتكرر القول منهم حتى كرر لوط الشهادة فتمت الأربع ثم دخل المدينة فدخلوا معه منزله وضاق بهم ذرعا أي طاقة وجهدا وهو في الأصل مصدر ذرع البعير بيديه يذرع في مسيره إذا سار مادا خطوه مأخوذ من الذراع وهي العضو المعروف ثم توسع فيه فوضع موضع الطاقة والجهد وذلك أن اليد كما تجعل مجازا عن القوة فالذراع المعروفة كذلك وفي الصحاح يقال : ضقت بالأمر ذرعا إذا لم تطقه ولم تقو عليه وأصل الذرع بسط اليد فكأنك تريد مددت يدي إليه فلم تنله وربما قالوا : ضقت به ذراعا قال حميد بن ثور يصف ذئبا : وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها ذراعا ولم يصبح لها وهو خاشع وفي الكشاف جعلت العرب ضيق الذراع والذرع عبارة عن فقد الطاقة كما قالوا : رحب الذراع بكذا إذا كان مطيقا له والأصل فيه أن الرجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذراع فضرب ذلك مثلا في العجز والقدرة ونصبه على أنه تمييز محول عن الفاعل أي ضاق بأمرهم وحالهم ذرعه وجوز أن يكون الذرع كناية عن الصدر والقلب وضيقه كناية عن شدة الإنقباض للعجز مدافعة المكروه والإحتيال فيه وهو على ما قيل : كناية متفرعة على كناية أخرى مشهورة وقيل : إنه مجاز لأن الحقيقة غير مرادة هنا وأبعد بعضهم في تخريج هذا الكلام فخرجه على أن المراد أن بدنه ضاق قدر عن إحتمال ما وقع وقال هذا اليوم يوم عصيب .
77 .
- أي شديد وأصله من العصب بمعنى الشد كأنه لشدة شره عصب بعضه ببعض وقال أبو عبيدة : سمي بذلك لأنه يعصب الناس بالشر قال الراجز : يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوى السلم الطوالا وفي معناه العصبصب والعصوصب وجاءه أي لوطا وهي في بيته مع أضيافه قومه يهرعون إليه قال أبو عبيدة : أي يسحتثون إليه كأنه يحث بعضهم بعضا أو يحثهم كبيرهم ويسوقهم أو الطمع في الفاحشة والعامة على قراءته مبنيا للمفعول وقرأ جماعة يهرعون بفتح الياء مبنيا للفاعل من هرع وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان كأن بعضه يدفع بعضا وجاء أهرع القوم إذا أسرعوا وفسر بعضهم الإهراع بالمشي بين الهرولة والجمز وعن ابن عباس أنه سئل عما في الآية فقال : المعنى يقبلون إليه بالغضب ثم أنشدوا مهلهل : فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف وفي رواية أخرى عنه أنه فسر ذلك بيسرعون وهو بيان للمراد ويستقيم على القرائتين وجملة يهرعون في موضع الحال من قومه أي جاءوا مهرعين إليه وروي أنه لما جاء لوط بضيفه لم يعلم ذلك أحد إلا أهل بيته فخرجت إمرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت : إن لوطا قد أضاف الليلة فئة ما رؤي مثلهم جمالا فحينئذ جاءوا يهرعون إليه ومن قبل أي من قبل وقت مجيئهم وقيل : من قبل بعث لوط رسولا إليهم كانوا يعملون السيئات قيل : المراد سيئة إتيان الذكور إلا أنها جمعت باعتبار تكررها أو بإعتبار فاعليها .
وقيل : المراد ما يعم ذلك وإتيان النساء في محاشهن والمكاء والصفير واللعب بالحمام والقمار والاستهزاء