والحاصل أن السؤال في تلك الآية عن الخطب وهو الأصل الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب ويراد من السؤال عنه تحقيق أمر لم يعلمه عليه السلام من كلامهم قبل إما لأنه لم يعلم ذلك منه أو لأنه كان مشغولا عن كمال التوجه ليعلم عليه السلام منه ذلك وفي خطابه عليه السلام لهم عليهم السلام بعنوان الرسالة ما يؤيد تقدم قولهم : إنا أرسلنا على هذا السؤال لكنه أسقط هناك تعويلا على ما هنا ولا بدع في الإسقاط من المتأخر تعويلا على المتقدم وتأخر الحجر والذاريات عن هود تلاوة مما لا كلام فيه وتأخرهما نزولا مما رواه ابن ضريس في فضائل القرآن عن محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن عمر بن هارون عن عثمان ابن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس وذكر أنها كلها نزلت بمكة وأن بين هود والحجر سورة واحدة وبين الحجر والذاريات ثلاث عشرة سورة فليتأمل في هذا المقام ويفهم من كلام بعضهم أنه عليه السلام لم يتحقق كونهم ملائكة إلا بعد أن مسح جبريل عليه السلام العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فحينئذ عرفهم وأمن منهم ولم يتحقق صحة الخبر عندي والذي أميل إليه أنه عليه السلام عرفهم قبل ذلك وأن خوفه منهم لكونهم ملائكة لم يدر لأي شيء نزلوا ويبعد عند من عرف حال إبراهيم عليه السلام القول بأنه خاف بشرا وبلغ منه الخوف حتى قال إنا منكم وجلون لا سيما إذا قلنا : إن من خافهم كانوا ثلاثة وأنه عليه السلام لم يكن في طرف من الأرض بل كان بين أصحابه أو كان هناك لكن بين خدمه وغلمانه وامرأته سارة بنت هاران بن ناحور وهي بنت عمه قائمة في الخدمة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد وكانت نساؤهم لا تحتجب لا سيما العجائز منهم وكانت رضي الله تعالى عنها عجوزا وقال وهب : كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم وأخذ منه بعضهم أن تستر النساء كان لازما والظاهر أنه لم يكن كذلك لتأخر آية الحجاب ويجوز أن يقال : إن القيام وراء الستر كان إتفاقيا وعن ابن إسحاق أنها كانت قائمة تصلي وقال المبرد : كانت قائمة عن الولد وهو خلاف المشهور في الإستعمال وأخرج ابن المنذر عن المغيرة قال في مصحف ابن مسعود : وامرأته قائمة وهو جالس وفي الكشاف بدل وهو جالس وهو قاعد وعن ابن عطية بدل وامرأته قائمة وهي قائمة ففيه الإضمار من غير تقدم ذكر وكأن ذلك إن صح للتعويل على إنفهام المرجع من سياق الكلام والجملة إما موضع الحال من ضمير قالوا وإما مستأنفة للأخبار فضحكت من الضحك المعروف والمراد به حقيقته عند الكثير وكان ذلك عند بعضهم سرورا بزوال الخوف عن إبراهيم عليه السلام والنساء لا يملكن أنفسهن كالرجال إذا غلب عليهن الفرح وقيل : كان سرورا بهلاك أهل الفساد وقيل : بمجموع الأمرين وقال ابن الأنباري : إن ضحكهما كان سرورا بصدق ظنها كانت تقول إبراهيم : أضمم إليك لوطا فإني أرى العذاب سينزل بقومه وكان لوط ابن أخيه وقيل : ابن خالته وقيل : كان أخا سارة وقد مر آنفا أنها بنت عم إبراهيم عليه السلام وعن ابن عباس أنها ضحكت من شدة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه والذين جاءوه ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين وقيل : المائة وقال قتادة : كان ذلك من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا وهم لا يأكلون طعامنا وقال وهب بن منبه : وروي أيضا عن ابن عباس أنها ضحكت من البشارة بإسحاق وفي الكلام على ذلك تقديم وتأخير وقيل : ضحكت من المعجز الذي تقدم نقله عن جبريل عليه السلام