يا أخا العرب وقدم المجرور ليعود الضمير عليه وقيل : إن إلى عاد أخاهم عطف على قوله تعالى : نوحا إلى قومه المنصوب على المنصوب والجار والمجرور على الجار والمجرور وهو من العطف على معمولي عامل واحد وليس من المسألة المختلف فيها نعم الأول أقرب كما في البحر لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المفردات المتعاطفة وقوله سبحانه : هودا عطف بيان لأخاهم وجوز أن يكون بدلا منه وكان عليه السلام ابن عم أبي عاد وأرسل إليهم من هو منهم ليكون ذلك أدعى إلى إتباعه قال إستئناف بياني حيث كان إرساله عليه السلام مظنة للسؤال عما قال لهم ودعاهم كأنه قيل : فما قال لهم حين أرسل إليهم فقيل : قال : يا قوم ناداهم بذلك إستعطافا لهم وقرأ ابن محيصن يا قوم بالضم وهي لغة في المنادى المضاف إلى ياء حكاها سيبويه وعيره اعبدوا الله أي وحده وكانوا مشركين يعبدون الأصنام ويدل على أن المراد ذلك قوله تعالى : ما لكم من إله غيره فإنه إستئناف يجري مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليل للأمر بها كأنه قيل : أفردوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا إذ ليس لكم إله غيره سبحانه على أنه لا إعتداد بالعبادة مع الإشراك فالأمر بها يستلزم الأمر بإفراده سبحانه بها و غيره بالرفع صفة لإله بإعتبار محله لأنه فاعل للظرف لإعتماده على النفي وقرأ الكسائي بالجر على أنه صفة له جار على لفظه إن أنتم ما أنتم بجعلكم الألوهية لغيره تعالى كما قال الحسن أو بقولكم : إن الله تعالى أمرنا بعبادة الأصنام إلا مفترون .
50 .
- عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني خاطب به كل رسول قومه إزاحة لما عسى أن يتوهموه وتمحيضا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبة بالمطامع بمعزل عن التأثير وإيراد الموصول للتفخيم وجعل الصلة فعل الفطر الذي هو الإيجاد والإبداع لكونه أبعد من أن يتوهم نسبته إلى شركائهم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله مع كونه أقدم النعم الفاضلة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجريان على موجب أمره سبحانه الغالب معرضا عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجر ولعل فيه إشارة إلى أنه عليه السلام غني عن أجرهم الذي إنما يرغب فيه للإستعانة به على تدبير الحال وقوام العيش بالله تعالى الذي أوجده بعد أن لم يكن وتكفل له بالرزق كما تكفل لسائر من أوجده من الحيوانات أفلا تعقلون .
51 .
- أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من الله تعالى ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك فتنقادون لما يدعوكم إليه أو تجهلون كل شيء فلا تعقلون شيئا أصلا فإن الأمر مما لا ينبغي أن يخفى على أحد من العقلاء .
ويا قوم استغفروا ربكم من الشرك ثم توبوا أي إرجعوا إليه تعالى بالطاعة أو توبوا إليه سبحانه وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها وقيل : الإستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه وحيث أن الإيمان بالله سبحانه لا يستدعي الكفر بغيره لغة قيل : ثم توبوا فكأنه قيل : آمنوا به ثم توبوا إليه تعالى من عبادة غيره وتعقب بأن قوله سبحانه : اعبدوا الله دل على إختصاصه تعالى بالعبادة فلو حمل استغفروا على ما ذكر لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه وقد كان يمكن تعليقه بالأول والحمل على غير الظاهر مع قلة الفائدة مما يجب الإحتراز عنه في كلام الله تعالى المعجز وقيل المراد بالإستغفار التوبة عن الشرك وبالتوبة التوبة عما صدر منهم