شهرا ثم قيل له إهبط فهبط بأرض الموصل وبنى قرب الجبل قرية يقال لها : قرية الثمانين عدد من في السفينة وفي رواية عن ابن عباس أنه بنى كل منهم بيتا فسميت سوق الثمانين .
وأخرج ابن مردوية عن عمر رضي الله تعالى عنه قال : لما إستقرت السفينة على الجودى لبث نوح عليه السلام ما شاء الله تعالى ثم أذن له بالهبوط فهبط على الجبل فدعا الغراب فقال : إئتني بخبر الأرض فإنحدر إلى الأرض وفيها الغرقى من قوم نوح فوقع على جيفة منهم فأبطأ علبه فلعنه ودعا الحمامة فوقفت على كفه فقال : إهبطي فأتني بخبر الأرض فإنحدرت فلم تلبث قليلا حتى جاءت تنقض ريشها بمنقارها فقالت : إهبط فقد أنبتت الأرض فقال نوح : بارك الله تعالى فيك وفي بيت يأويك وحببك إلى الناس ولولا أن يغلبك الناس على نفسك لدعوت الله سبحانه أن يجعل رأسك من الذهب والظاهر عندي أن الهبوط من الجودى الذي إستقرت عليه السفينة إلى الأرض وليس في الكلام ما يستعدي أن يكون بعد الإستقرار بلا مهلة ليقال : إن ما تحت الجبل مغمور إذ ذاك بالماء والتعبير بالهبوط على هذا في غاية الظهور ولعل ذلك على أن يكون المراد من السفينة لمكان الركوب وخبر الحمامة والغراب قد طار في الآفاق وأولع به القصاصون والله تعالى أعلم بصحته وغالب الظن أنه لم يصح وكذا إشتهر خبر قرية الثمانين في أرض الموصل لما ضاقت عليهم تحولوا إلى بابل فبنوها .
وأخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار أنه قال : أول حائط وضع على وجه الأرض بعد الطوفان حائط حران ودمشق ثم بابل وقريء اهبط بضم الباء بسلم أي ملتبسا بسلامة مما تكره كائنة منا أي من جهتنا ويجوز أن يكون السلام بمعنى التسليم والتحية أي مسلما عليك من جهتنا وبركات عليك أي خيرات نامية في نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من أنواع الأرزاق أو مباركا عليك أي مدعوا لك بالبركة بأن يقال : بارك الله تعالى فيك وهو مناسب لكون السلام بمعنى التسليم فيكون كقوله : السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وأصل البرك كما قال الراغب صدر البعير يقال : برك البعير إذا ألقى بركه واعتبر فيه اللزوم ولذا سمي الماء بركة والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء سمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة .
ولما كان الخير الإلهي يصدر على وجه لا يحس ولا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة غير محسوسة : هو مبارك وفيه بركة ولما في ذلك من الإشعار باللزوم وكونه غير محسوس إختص تبارك بالإستعمال في الله تبارك وتعالى كما قيل وفي الكشف كل شيء ثبت وأقام فقد برك وأخذ بروك البعير منه ثم البرك بمعنى الصدر من الثاني لأنه آلة بروكه أظهر وحكى عبدالعزيز بن يحيى عن الكسائي أنه قرأ وبركة بالتوحيد وفي الآية على القرائتين صنعة الإحتباك لأنه حذف من الثاني ما ذكر في الأول وذكر فيه ما حذف من الأول والتقدير سلام منا عليك وبركات أو وبركة منا عليك وهذا منه تعالى إعلام وبشارة بقبول توبته عليه السلام وخلاصه من الخسران مع الإشارة إلى عود الأرض إلى حالها من الإنبات وغيره وعلى أمم ناشئة ممن معك متشعبة منهم فمن إبتدائية والمراد الأمم المؤمنة المتناسلة ممن معه إلى يوم القيامة والمراد ممن معه أولاده من إطلاق العام وإرادة الخاص بناءا على ما قيل : إنه لم يعقب غيرهم فالناس كلهم على هذا من نسل نوح عليه السلام ومن هنا سمي عليه السلام آدم الثاني وآدم الأصغر واستدل لذلك بقوله تعالى : وجعلنا ذريته