لاستلزم تعميم إبتلاعه المياه بأسرها لورود الأمر من مقام العظمة كما علمت من كلام السكاكي وليس بذاك وتعقبه في الكشف بأنه دعوى بلا دليل ورد يمين إذ لا معهود والظاهر ما على وجه الأرض من الماء ولا ينافي الترشيح وإضافة المالكية ثم الظاهر من تنزيل الماء منزلة الغذاء أن تجعل الإضافة من باب إضافة الغذاء إلى المغتذى في النفع والتقوية وصيرورته جزءا منه ولا نظر فيه إلى كونه مملوكا أو غير ذلك وأما التعميم فمطلوب وحاصل على التفسيرين لإنحصار الماء في الأرضي والسمائي وقد قلتم بنضوبهما من قوله سبحانه فبلعت وقوله تعالى : وغيض ولا شك أن ما عندنا من الماء غير ماء الطوفان هذا والمطابق تفسير الزمخشري ألا ترى إلى قوله جلا وعلا : فالتقى الماء أي الأرضي والسمائي وههنا تقدم الماء أن في قوله سبحانه : ماءك ويا سماء أقلعي لأن تقديره عن إرسال الماء على زعمهم فإذا قيل : وغيض الماء رجع إليهما لا محالة لتقدمهما ثم إذا جعل من توابع إقلعي خاصة لم يحسن عطفه على أصل القصة أعني وقيل يا أرض إبلعي كيف وفي إيثار هذا التفسير الإشارة إلى أنه زال كونه طوفانا لأن نقصان الماء غير الإذهاب بالكلية وإلى أن الأجزاء الباطنة من الأرض لم تبق على ما كانت عليه من قوة الإنباع ورجعت إلى الإعتدال المطلوب وليس في الإختصاص بالنضوب هذا المعنى البتة إنتهى .
وزعم الطبرسي أن أئمة البيت رضي الله تعالى عنهم على أن الماء المضاف هو ما نبع وفار وأنه هو الذي إبتلع وغاض لا غير وأن ماء السماء صار بحارا وأنهارا .
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن ابن عباس ما يؤيده وهذا مخالف لما يقتضيه كلام السكاكي مخالفة ظاهرة وفي القلب من صحته ما فيه ثم إنه تعالى إتبع غيض الماء ما هو المقصود الأصلي من القصة وهو قوله جلت عظمته : وقضي الأمر ثم أتبع ذكر المقصود حديث السفينة لتأخره عنه في الوجود ثم ختمت القصة بالتعريض الذي علمته هذا كله نظر في الآية من جانبي البلاغة وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى للمعاني لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الكفر في طلب المراد ولا التواء الطريق إلى المرتاد بل إذا جربت نفسك عند إستماعها وجدت ألفاظها تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها من لفظة فيها تسبق إلى أذنك إلا ومعناها أسبق إلى قلبك وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة جارية على قوانين سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات سلسة على الأسلات كل منها كالماء في السلالة وكالعسل في الحلاوة وكالنسيم في الرقة ولله تعالى در التنزيل ماذا جمعت آياته : وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه مالم يوصف وما ذكر في شرح مزايا هذه الآية بالنسبة إلى ما فيها قطرة من حياض وزهرة من رياض وقد ذكر ابن أبي الأصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع مع أنها سبع عشرة لفظة وذلك المناسبة التامة في إبلعي و إقلعي والاستعارة فيهما والطباق بين الأرض والسماء والمجاز في يا سماء فإن الحقيقة يا مطر السماء والإشارة في وغيض الماء فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها فينقص ما على وجه الأرض والإرداف في واستوت والتمثيل في وقضى الأمر والتعليل فإن غيض الماء علة للإستواء وصحة التقسيم فإنه استوعب أقسام الماء حال نقصه والإحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق