وأشرب الماء مابي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها وقرأ السدي ابناه بألف وهاء سكت وخرج ذلك على الندبة واستشكل بأن النحاة صرحوا بأن حرف النداء لا يحذف في الندبة وأجيب بأن هذا حكاية والذي منعوه في الندبة نفسها لا في حكايتها وعن ابن عطية أبناه بفتح همزة القطع التي للنداء وفيه أنه لا ينادي المندوب بالهمزة وأن الرواية بالوصل فيها والنداء بالهمزة لم يقع في القرآن ويبعد القول بالندبة أنها لا تلائم الإستدعاء إلى السفينة بعد كما لا يخفى ولو قيل : إن ابناه على هذه القراءة مفعول نادى أيضا كما في غيرها من القراآت والألف للإشباع والهاء الساكنة هاء الضمير في بعض اللغات لم يكن هناك محذور من جهة المعنى وهو ظاهر نعم يتوقف القول بذلك على السماع في مثله ومتى ثبت تعين عندي تخريج القراءة إن صحت عليه وقرأ الجمهور ابنه بالإضافة إلى ضمير نوح ووصلوا بالهاء واوا وتوصل في الفصيح وتنوين نوح مكسور عند الجمهور دفعا لإلتقاء الساكنين وقرأ وكيع بضمه إتباعا لحركة الإعراب .
وقال أبو حاتم : هي لغة سوء لا تعرف وكان في معزل أي مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته ومن آمن من قومه والمراد بعده عنهم إما حسا أو معنى وحاصله المخالفة لهم في الدين فمعزل بالكسر إسم مكان العزلة وهي إما حقيقية أو مجازية وقد يكون إسم زمان وإذا فتح كان مصدرا وقيل : المراد كان في معزل عن الكفار قد إنفرد عنهم وظن نوح عليه السلام أنه يريد مفارقتهم ولذلك دعاه إلى السفينة وقيل : إنما ناداه لأنه كان ينافقه فظن أنه مؤمن واختاره كثير من المحققين كالما تريدي وغيره وقيل : كان يعلم أنه كافر إلى ذلك الوقت لكنه عليه السلام ظن أنه عند مشاهدة تلك الأهوال وبلوغ السيل الزبى ينزجز عما كان عليه ويقبل الإيمان وقيل : لم يجزم بدخوله في الإستثناء لما أنه كان كالمجمل فحملته شفقة الأبوة على أن ناداه يبني بفتح الياء التي هي لام الكلمة إجتزاءا بالفتحة على الألف المبدلة من ياء الإضافة في قوله يا بنيا وقيل : إنها سقطت لإلتقائها ساكنة مع الراء الساكنة بعدها ويؤيد الأول أنه قريء كذلك حيث لا ساكن بعد .
ومن الناس من قال : فيه ضعف على ما حكاه يونس من ضعف يا أب ويا أم بحذف الألف والأجتزاء عنها بالفتحة .
وقرأ الجمهور بالكسر إقتصارا عليه من ياء الإضافة وقيل : إنها حذفت لإلتقاء الساكنين كما قيل ذلك في الألف ونداؤه بالتصغير من باب التحنن والرأفة وكثيرا ما ينادي الوالد ولده كذلك اركب معنا أي في السفينة ولتعينها وللإيذان بضيق المقام حيث حال الجريض دون القريض مع إغناء المعية عن ذكرها لم تذكر وأطلق الركوب وتخفيف الباء وإدغامها في الميم قراءتان سبعيتان ووجه الإدغام التقارب في المخرج ولا تكن مع الكافرين تأكيد للأمر وهو نهى عن معايشة الكفرة والدخول في غمارهم وقطع بأن الدخول فيه يوجب الغرق على الطريق البرهاني قال سئاوى أي سأنضم إلى جبل من الجبال وقيل : عنى طورزيتا يعصمني أي يحفظني بإرتفاعه من الماء فلا يصل إلي قال ذلك زعما منه أن ذلك كسائر المياه في أزمنة السيول المعتادة التي ربما يتقى منها بالصعود إلى مرتفع وجهلا منه بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة فلا بد أن يدركهم ولو كانوا في قلل الجبال