وقيل : الضمير لله تعالى وفيه أنه لو كان كذلك لكان المناسب إن ربكم إلخ ولعل هذا القول بعد إدخال ما أمر بحمله في الفلك من الأزواج كأنه قيل : فحمل الأزواج حسبما أمر أو أدخلها في الفلك وقال للمؤمنين اركبوا فيها أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض ففيه إستعارة تبعية من حيث تشبيه الصيرورة فيها بالركوب وقيل : إستعارة مكنية والتعدية بفي لإعتبار الصيرورة وإلا فالفعل يتعدى بنفسه وإلى هذا ذهب القاضي البيضاوي وقيل : التعدية بذلك لأنه ضمن معنى إدخلوا وقيل : تقديره اركبوا الماء فيها وقيل : في زائدة للتوكيد وكأن الأول أولى وقال بعض المحققين : الركوب العلو على شيء متحرك ويتعدى بنفسه وإستعماله بفي ليس لأن المأمور به كونهم في جوفها لا فوقها كما ظن فإن أظهر الروايات أنه عليه السلام ركب هو ومن معه في الأعلى بل لرعاية جانب المحلية والمكانية في الفلك .
والسر فيه أن معنى الركوب العلو على شيء له حركة إما إرادية كالحيوان أو قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فإذا إستعمل في الأول توفر له حظ الأصل فيقال : ركبت الفرس وعليه قوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وإن إستعمل في الثاني يلوح بمحلية المفعول بكلمة في فيقال : ركبت في السفينة وعليه الآية الكريمة وقوله سبحانه : فإذا ركبوا في الفلك و حتى إذا ركبا في السفينة خرقها إنتهى وظاهره أن الركوب ههنا حقيقي وصرح بعضهم أنه ليس به .
وقال الراغب : الركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان وقد يستعمل في السفينة وفيه تأكيد لما صرح به البعض بسم الله حال من فاعل اركبوا والباء للملابسة ولما كانت ملابسة إسم الله عز إسمه بذكره قالوا : المعنى إركبوا مسمين الله وجوزوا أن تكون الحال محذوفة وهذا معمول لها ساد مسدها ولذلك سموه حالا والأصل اركبوا قائلين بسم الله مجريها ومرسها نصب على الظرفية أي وقت إجرائها وإرسائها على أنهما إسما زمان أو مصدران ميميان بمعنى الإجراء والإرساء ويقدر مضاف محذوف وهو وقت كما في قولك : أتيتك خفوق النجم فإن التقدير وقت خفوقه إلا أنه لما حذف المضاف سد المضاف إليه مسده وإنتصب إنتصابه وهو كثير في المصادر ويجوز أن يكونا غسمي مكان وإنتصابهما بالإستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور أو بقائلين ولا يجوز أن يكون باركبوا إذ ليس المعنى على اركبوا في وقت الإجراء والإرساء أو في مكانهما وإنما المعنى متبركين أو قائلين فيهما وتعقب القول بإنتصابهما مطلقا بأنهما محدودان ومحدود المكان لابد له من في وبعضهم يجوز النصب في مثل ذلك بما فيه من الإبهام وجوز رفعهما فاعلين بالظرف لإعتماده على ذي الحال أو على أنهما مبتدأ ومعطوف عليه و بسم الله خبرا والخبر محذوف تقديره متحققان ونحوه وهو صلة لهما والجملة إما مقتضية منقطعة عما قبلها لإختلافهما خبرا وطلبا على أن نوحا عليه السلام أمرهم بالركوب في السفينة ثم أخبرهم بأن إجراءها وإرساءها بسم الله تعالى أو بأن إجراءها وإرساءها باسمه تعالى متحققان لا يشك فيهما وفي ذلك حث على الركوب وإزالة لما عسى يختلج في قلوبهم من خوف الغرق ونحوه ويروى عن الضحاك أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يجريها يقول بسم الله فتجري وإذا أراد