وما ذكره في دفع قول شيخ الإسلام : أنه لو دل لدل إلخ غير ظاهر فيه قيل : إذ الإعتراض بطريق أنه دل لدل على وجود الخلاء لا على إمكانه الصرف لأن الشيء إذا كان موجودا كان وجوده ضروريا لا ممكنا صرفا على ما بين في محله وينادي على أن الإعتراض كذلك تقييد الإمكان في عبارته بقيد فقط مع القول بالدلالة على الوجود .
وأورد بعضهم على قوله : قد تقرر في علم الأبعاد والأجرام إلخ أن ذلك مبني على ظن أن الماء في الآية هو الماء العنصري وأنه من بعض الظن إذ ذاك إنما خلق بعد خلق الأرض فكيف يتصور أن يكون العرش الذي خلق قبل السموات والأرض عليه فضلا على أن يكون موضوعا على متنه أو غير موضوع عليه من غير حائل بينهما وإنما هو الماء الطبيعي النوري العمائي الذي تكون العرش منه وفيه صرف اللفظ عن ظاهره ونظير ذلك ما قاله الكامل بن الكمال : ليس المراد من العرش تاسع الأفلاك ولا من الماء أحد العناصر لما شهد بذلك شهادة صحيحة لا مرد لها ما أخرجه مسلم في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلّم : كان الله تعالى ولم يكن معه شيء وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض فلا وجه للإستدلال به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بل عرشه سبحانه عبارة عن قيوميته بناءا على أنه في الأصل سرير الملك وهو مظهر سلطانه والماء إشارة إلى صفة الحياة بإعتبار أن منه كل شيء حي فمعنى وكان عرشه على الماء وكان حيا قيوما وفي لفظة على تنبيه على ترتب أحدهما على الآخر فتدبر إنتهى .
ولعل وجه شهادة الخبر بذلك النفي تضمنه على تقدير الإثبات ما ينافي ما تضمنه النفي إذ يكون حينئذ شيآن معه سبحانه فضلا عن شيء ولا يخفى أن هذا إنما يتم لو كانت الجملة الماضوية في موضع الحال والظاهر أنها كغيرها معطوفة على الجملة المستأنفة وليس في الكلام ما يقتضي أن المعنى وكان عرشه على الماء مع وجوده تعالى بدون معية شيء له ليضطر إلى حمل الماء والعرش على ما علمت من صفتيه تعالى ولا أرى في الحديث أكثر من إفادة ثبوت ما تضمنته المتعاطفات قبل خلق السموات والأرض وأما أن كونه تعالى ولم يكن معه شيء وكون عرشه سبحانه على الماء وكتابه في الذكر ما كتب كلها في وقت واحد هو وقت وجوده تعالى الواقع بعده خلق السموات والأرض بمهلة وتراخ فلا أراه وقد جاء في بعض الروايات عطف الخلق على ما قبله بالواو كسائر المعطوفات .
أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن عمران بن حصين قال : قال أهل اليمن : يا رسول الله أخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال : كان الله تعالى قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء وخلق السموات والأرض الخبر ثم إنه لا يتم أمر الشهادة بمجرد ما تقدم بل لا بد أيضا من حمل الكتابة في الذكر على التقدير ونفى أن يكون هناك كتابه وكتوب فيه حسبما يتبادر منهما ويلتزم هذا في الخبر الثاني أيضا ومع ذلك يعكر على القول بكون زمن التقدير متحدا كزمن قيوميته وحياته تبارك وتعالى مع زمن وجوده سبحانه ما أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله A : إن الله تعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء لأن أجزاء الزمان الموهوم الفاصل بين زمان وجوده تعالى ووجود صفاته وزمان وجود الخلق غير متناهية فكيف تقدر بخمسين ألف سنة وضربها في نفسها وضرب الحاصل من ذلك بنفسه ألف ألف مرة أقل قليل بل لا شيء يذكر بالنسبة إلى غير المتناهي ويعارض هذه