قطعا وأما الخلاء خارج العالم فمتفق عليه إذ لا تقدر هناك بحسب نفس الأمر فالنزاع إنما هو في التسمية بالبعد فالفلاسفة يقولون حقه أن لا يسمى بعدا ولا خلاءا والمتكلمون يسمونه بعدا موهوما ولا شك أن عالم كون العرش على الماء من داخل العالم فالخلاء فيه داخل في المتنازع وقد نص عليه أيضا المتأخرين .
ومن الناس من إعترض على قوله : إنه لو كان موضوعا على متن الماء للزم إلخ بأن الأمور التي يلزم أحدها ذلك التقدير وهي فاسدة أكثرها مما ذكر وسود وجه القرطاس ببيان ذلك وهو مما لا يحتاج إليه بل ولا يعول عليه وزعم البعض أن ما راعاه القاضي في هذا الفصل ليس شيء منه مخالفا للقواعد الإسلامية ووسوست له نفسه أن خروج الماء عن حيزه مما لا يجوز لأن الله سبحانه إن كان موجبا بالذات فلا يتصور الإخراج منه سبحانه لأن نسبته إليه على السوية بحسب الأوقات فلا يمكن كونه قاصرا في بعض دون بعض وإن كان مختارا يقال : إن ذلك الخروج ممتنع في نفسه وهو سبحانه لا يفعل الممتنع ولا تتعلق قدرته به وكذا يقال في التخلخل والتكاثف ويجوز أن يكون بالطبع وإلا لكانا دائمين لأن مقتضى الذات لا يتخلف عنه وممن ذهب إلى إمتناعهما الأصفهاني في شرح حكمة المطالع ثم تكلم منتصرا لنفسه وللقاضي بما لا يسمن ولا يغني وقال ابن صدر الدين بعد نقل كلام العلامتين : قد تقرر في علم الأبعاد والأجرام أن ليس لمجموع كرات العناصر بالنسبة إلى الفلك الأعظم الذي هو المراد بالعرش قدر محسوس فلا يتصور كونه موضوعا على متن كرة الماء فإن ذلك إنما يكون إذا كان عظم كرة الماء بحيث يملأ جوف العرش مماسا محد به مقعره وإلا لم يكن موضوعا على متنه الذي هو عبارة عن السطح المحدب بل إما لا يتماسا أصلا أو يتماسا بنقطة على ما يشهد به التخيل الصحيح وكيف يتصور كونه مالئا له وهو الآن لم يمتليء إلا بالسموات والأرض والكرسي والعناصر بجملتها وليس لك أن تقول : لعل الماء في إبتداء الخلقة قد كان على هذا المقدار الصغير الذي الآن عليه فتخلخل إلى حيث ملأ جوفه لإمتناع الخلاء فلما خلق سائر الأجرام العلوية والسفلية عاد بطبعه إلى ما تراه لأنا نقول : التخلخل عبارة عن إزدياد مقدار الجسم من غير أن ينضم إليه شيء فيستدعي حركة أينية وهي تستدعي وجود فضاء خال عن الشاغل وهو المراد بالخلاء وكذا ليس لك أن تقول : فليكن في إبتداء الخلقة عظيم المقدار بحيث يملأ جوف العرش وتكاثف بعد خلق سائر الأجرام إلى هذا المقدار الصغير لأنا نقول أيضا : التكاثف الذي هو عبارة عن إنتقاص مقدار الجسم من غير أن ينقص منه شيء سببه على ما تقرر عندهم أمران : أحدهما التخلخل السابق العارض له يوجبه فإذا زال ذلك العارض عاد بطبعه إلى مقداره الأول كما في المد والجزر وفي الصورة المذكورة لا يتصور هذا لأن المفروض أنه خلق إبتداءا عظيم المقدار بحيث يملأ جوف العرش فكيف يتصور أن يتخلخل بعارض حتى يعود عند زواله إلى مقداره الطبيعي الصغير وهو ظاهر وثانيهما الإنجماد بإستيلاء البرودة الشديدة وهذا أيضا لا يتصور ههنا أما أولا فلأن الماء المنعقد جمدا وإن كان أصغر مقدارا منه غير منعقد لكنه لا إلى مرتبة لا يكون له قدر محسوس بالنسبة إلى مقداره الأول بل يقرب منه في الحس كما يشاهد في المياه المنعقدة ولا قدر لكرة الماء الموجودة الآن بالنسبة إلى الماليء جوف العرش وهذا مثل أن ينعقد البحر فيصير كالعدسة ولا يلتزمه عاقل .
وأما ثانيا فلأن كرة الماء على ما يشاهد غير متجمدة بل باقية على طبعها من الذوبان فإن قلت : بقي على تقدير كون الماء في إبتداء الخلقة عظيم المقدار مالئا لجوف العرش إحتمال آخر وهو أن يفرز بعض أجزاء هذه الكرة العظيمة ويجعل مادة لسائر الأجرام السماوية والأرضية كما في سورة إنقلاب بعض العناصر إلى بعض