يكون إلها لا غيره مما لا يعلم ولا يقدر على ضرر ونفع وتأكيدا لما سبق من الوعد والوعيد لأن العالم القادر يرجى ويخشى وجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله سبحانه : يعلم ما يسرون وما يعلنون وما بعدها تقريرا لقوله سبحانه : وهو على كل شيء قدير وفيه بعد وكأن المراد بخلق السموات والأرض إلخ خلقهما وما فيهما أو تجعل السماوات مجازا عن العلويات فتشملها وما فيها وتجعل الأرض مجازا بمعنى السفليات فتشملها وما فيها من غير تقدير وإحتيج لذلك لإقتضاء المقام إياه وإلا فخلقهما في تلك المدة لا ينافي خلق غيرهما فيها والمراد باليوم الوقت مطلقا لا المتعارف إذ لا يتصور ذلك حين لا شمس ولا أرض وقيل أريد به مدة زمان دور المحدد المسمى بالعرش دورة تامة وإليه ذهب الشيخ الأكبر قدس سره وقد علمت حاله فيما تقدم وقيل : غير ذلك .
وفي عدم خلقهما دفعة كما علمت دليل كما قال غير واحد على كونه سبحانه قادرا مختارا مع ما فيه من الإعتبار للنظار والحث على التأني في الأمور وقد تقدم ما قيل في وجه تخصيص هذا العدد دون الزائد عليه كالسبعة أو الناقص عنه كالخمسة للخلق ولعلنا نحقق ذلك في موضع آخر وإيثار صيغة الجمع في السماوات لإختلافها بالأصل والذات دون الأرض وإن قيل : إنها مثل السماء في كونها سبعا طباقا بين كل أرض وأرض مسافة وفيها مخلوقات وبذلك فسر قوله سبحانه : ومن الأرض مثلهن والكثير على أن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم وحملوا الآية على ذلك .
وكان عرشه على الماء عطف على جملة خلق مع ضميره المستتر أو حال من الضمير بتقدير قد على ما هو المشهور في الجملة الحالية الماضوية من إشتراط قد ظاهرة أو مقدرة والمضي المستفاد من كان بالنسبة للحكم لا للتكلم أي كان عرشه على الماء قبل خلقهما وهو الذي يقتضيه كلام مجاهد وبه صرح القاضي البيضاوي ثم قال : لم يكن حائل بينهما أي العرش والماء لا أنه كان موضوعا على متن الماء وإستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم إنتهى وكذا صرح به العلامة أبو السعود مفتي الديار الرومية لكنه قال : ليس تحته يعني العرش شيء غيره أي الماء سواء كان بينهما فرجة أو موضوعا على متنه كما ورد في الأثر فلا دلالة فيه على إمكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماء أول ما حدث في العالم بعد العرش و إنما يدل على أن خلقهما أقدم من خلق السموات والأرض من غير تعرض للنسبة بينهما إنتهى ولا يخفى ما بين القاضي والمفتي من المخالفة والأكثرون على أن الحق مع المفتي كما ستعلمه إن شاء الله تعالى .
وإنتصر بعضهم للقاضي بأنه لو كان موضوعا على متن الماء للزم قبل خلق تمام العالم أحد الأمور الستة : إما خروج الماء عن حيزه الطبيعي أو خروج العرش عن حيزه الطبيعي أو تخلخل الماء أو نموه أو تخلخل العرش أو نموه وحين خلق العالم أحد الأمور الخمسة : إما حركة العرش بالإستقامة إلى حيزه الطبيعي أو تكائف الماء أو ذبوله أو تكائف العرش أو ذبوله وهذه الأمور باطلة كما لا يخفى على من تدرب في الحكمة ويحمل الإمكان في كلامه على الإمكان الوقوعي أو يراد به الإمكان الذاتي وبالخلاء الخلاء في عالمنا هذا فإنه المتنازع فيه فكأنه قيل وإستدل به على أن الخلاء في عالمنا ممكن بالإمكان الذاتي وتوجيه الإستدلال به حينئذ على ذلك هو أن الخلاء قبل عالمنا هذا كان واقعا ووقوع شيء في وقت شيء من الأوقات دليل على إمكانه الذاتي في جميع الأوقات فإن ثبوت الإمكان للممكن واجب فالممكن في وقت ممكن في وقت آخر كما حققه شارح حكمه العين ووجه الدلالة على أن الماء أول