فيندرج في تلك الكلية قدرته سبحانه على إماتتكم ثم بعثكم وجزائكم فيعذبكم بأفانين العذاب وهذا تقرير وتأكيد لما سلف من ذكر اليوم وتعليل للخوف .
ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه كأنه جواب سؤال مقدر وذلك أنه لما ألقى إليهم ما ألقى وسيق إليهم ما سيق من الترغيب والترهيب وقع في ذهن السامع أنهم بعد ما سمعوا مثل هذا المقال الذي تخر له صم الجبال هل قابلوه بالإقبال أم تمادوا فيما كانوا عليه من الإعراض والضلال فقيل مصدرا بكلمة التنبيه إشعارا بأن ما بعدها من هناتهم أمر ينبغي أن يفهم ويتعجب منه ألا إنهم الخ فضمير إنهم للمشركين المخاطبين فيما تقدم ويثنون بفتح الياء مضارع ثنى الشيء إذا لواه وعطفه ومنه على ما قيل الاثنان لعطف أحدهما على الآخر والثناء لعطف المناقب بعضها على بعض وكذا الاستثناء للعطف على المستثنى منه بالإخراج وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون وفي المراد منه احتمالات منها أن الثني كناية أو مجاز عن الإعراض عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض صرفه عنه أي أنهم يثنون صدورهم عن الحق ويتحرفون عنه والمراد استمرارهم على ما كانوا عليه من التولي والإعراض المشار إليه بقوله سبحانه فإن تولوا الخ ومنها أنه مجاز عن الإخفاء لأن ما يجعل داخل الصدر فهو خفي أي أنهم يضمرون الكفر والتولي عن الحق وعداوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومنها أنه باق على حقيقته والمعنى أنهم إذا رأوا النبي E فعلوا ذلك وولوه ظهورهم والظاهر أن اللام متعلقة - بيثنون - على سائر الاحتمالات وكأن بعضهم رأى عدم صحة التعلق على الاحتمال الأول لما أن التولي عن الحق لا يصلح تعليله بالاستخفاء لعدم السببية فقدر لذلك متعلقا فعل الإرادة على أنه حال أو معطوف على ما قبله أي ويريدون ليستخفوا من الله تعالى فلا يطلع رسوله E والمؤمنين على أغراضهم وجعله في قود المعنى إليه من قبيل الإضمار في قوله تعالى اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق لكن لا يخفى أن انسياق الذهن إلى توسيط الإرادة بين ثني الصدور والاستخفاء ليس بمثابة انسياقه إلى توسيط الضرب بين الأمر والانفلاق كما ذكره العلامة القسطلاني وغيره وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير في الاحتمالين الأولين لأن انحرافهم عن الحق بقلوبهم وعطف صدورهم على الكفر والتولي وعداوة النبي ص - وعدم إظهارهم ذلك يجوز أن يكون للاستخفاء من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى وأما على الاحتمال الثالث فالظاهر أنه لا بد من التقدير إلا أن يعاد الضمير منه إلى الرسول ص - وهو الذي يقتضيه سبب النزول على ما ذكره أبو حيان من أن الآية نزلت في بعض الكفار الذين كانوا إذا لقيهم النبي ص - تطامنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه وكراهة للقائه E وهم يظنون أنه يخفى عليه ص - لكن ظاهر قوله تعالى الآتي يعلم ما يسرون وما يعلنون يقتضي عود الضمير إليه تعالى واختار بعض المحققين الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث وأمر التعليل والضمير عليه ظاهر وأيده بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله ص - المحبة ويضمر في قلبه ما يضادها لكنه ليس بمجمع عليه لما سمعت عن أبي حيان