يقال أيضا : أنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا وجعلوها لبطلانها كالعدم فلذا نفوا عبادتهم إياهم أو يقال : إن المشركين لما تخيلو فيما عبدوه أوصافا كثيرة غير موجودة فيه في نفس الأمر كانوا في الحقيقة إنما عبدوا ذوات موصوفة بتلك الصفات ولما كانت ذوات الشركاء خالية عن تلك الصفات صدق أن يقال : إن المشركين ماعبدوا الشركاء وهذا أولى من الأولين بل لا يكاد يلتفت اليهما وكأن حاصل المعنى عليه إنكم عبدتم من زعمتم أنه يقدر على الشفاعة لكم وتخليصكم من العذاب وإنه موصوف بكيت وكيت فإطلبوه فانا لسنا كذلك والمراد من ذلك قطع عري أطماعهم وإيقاعهم في اليأس الكلي من حصول ما كانوا يرجونه ويعتقدونه فيهم ولعل اليأس كان حاصلا لهم من حين الموت والإبتلاء بالعذاب ولكن يحصل بما ذكر مرتبة فوق تلك المرتبة وقيل : المراد بهم الشياطين وقطع الوصل عليه من الجانبين لا من جانب العبدة فقط كما يقتضيه ما قبل والمراد من قولهم ذلك على طرز ما تقدم وأورد على القول بأن المراد الملائكة والمسيح عليهم السلام بأنه لا يناسب قوله سبحانه : مكانكم أنتم وشركاؤكم حيث أن المراد منه الوعيد والتهديد وظاهر العطف إنصراف ذلك إلى الشركاء أيضا وتهديد أولئك الكرام عليهم الصلاة والسلام مما لايكاد يقدم على القول به .
وإعترض بأن هذا مشترك الإلزام فإنه يرد على القول الأول أيضا إذ لا معنى للوعيد والتهديد في حق الأصنام مع عدم صدور شيء منها يوجب ذلك ولا مخلص إلا بإلتزام أن التهديد والوعيد للمخاطبين فقط أو للمجموع باعتبارهم .
وأجيب بجواز كون تهديد الأصنام نظير إدخالها النار مع عبدتها كما يدل عليه قوله تعالى : إنكم ومتعبدون من دون الله حصب جهنم وكذا قوله سبحانه : فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة على ما عليه جمع من المفسرين ودعوى الفرق بين التهديد والإدخال في النار تحتاج إلى دليل نعم قالوا : يجب على القول بأن المراد الملائكة عليهم السلام أن تحمل الغفلة في قوله سبحانه : فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين 29 على عدم الإرتضاء لا على عدم الشعور لأن عدم شعور الملائكة بعبادتهم غير ظاهر بل لو قيل بوجوب هذا الحمل على القول بأن المراد المسيح عليه السلام أيضا لم يبعد لأن عدم شعوره بعبادتهم مع أنه سينزل ويكسر الصليب كذلك ولا يكاد يصح الحمل على الظاهر إلأ إذا كان المراد الأصنام فإن عدم شعورهم بذلك ظاهر وتعقب بأنه لا دليل على شعور الملائكة عليهم السلام بعبادتهم ليصرف له اللفظ عن حقيقته وليس هؤلاء المعبودون هم الحفظة أو الكتبة بل ملائكة آخرون ولعلهم مشغلون بأداء ما أمروا به عن الإلتفات إلى مافي هذا العالم ونحن لا ندعي في الملائكة عليهم السلام ما يدعيه الفلا سفة فانهم الذين قالوا يوم إستنبئوا عن الأسماء : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا وهذا جبريل عليه السلام من أجلهم قدرا كان كثيرا مايسأله رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أشياء فيقول : لا أعلم وسوف أسأل ربي وكذا لادليل على شعور المسيح عليه السلام بعبدة هولاء المخاطبين عند إيقاعها وكونه سينزل ويكسر الصليب لا يستدعي الشعور بها كذلك كما لايخفى وقد يستأنس لعدم شعوره بما حكى الله تعالى عنه في الجواب عن سؤاله له عليه السلام من قوله : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد واعترض على القول الأخير بأنه لا يصح مع هدا القول