الحق للإحتراز وتقييد الثاني به للتأكيد ولعل من يجعل البغي هنا بمعنى الظلم يقول : إن المعنى يبغون على المسلمين مثلا فإفهم ياأيها الناس توجيه الخطاب إلى أولئك الباغين للتشدي في التهديد والمبالغة في الوعيد إنما بغيكم الذي تتعاطونه وهو مبتدأ خبرهقوله سبحانه : على أنفسكم أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغونعليهم وإن ظن كذلك وقوله تعالى : متاع الحياة الدنيا نصب على أنهمصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الإستئناف أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا والمراد من ذلك بيان كون ما في البغي من المنفعة العاجلة شيئا غير معتد به سريع الزوال دائم الوبال وقيل : إنه منصوب على أنه مصدرواقع موقع الحال أي متمتعين والعامل هو الإستقرار الذي في الخبر ولايجوز أن يكون نفس البغي لأنه لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وأيضا لا يخبر عن المصدر إلا بعد تمام صلاته ومعمولاته وتعقب بأنه ليس في تقييد كون بغيهم على أنفسهم بحال تمتعهم بالحياة الدنيا معنىيعتد به .
وقيل : على أنه ظرف زمان كمقدم الحاج أي زمان متاع الحياة الدنيا والعامل فيه الإستقرار أيضا وفيه ما في سابقه وقيل : على أنه مفعول لفعل دل عليه المصدر أي تبغون متاع الحياة الدنيا وإعترض بأن هذايستدعي أن يكون البغي بمعنى الطلب لأنه الذي يتعدى بنفسه والمصدر لا يدل عليه وجعل المصدر أيضا بمعناه مما يخل بجزالة النظم الكريم لأن الإستئناف لبيان سوء عاقبة ما حكي عنهم من البغي المفسر على المختار بالفساد المفرط اللائق بحالهم وحينئذ تنتفي المناسبة ويفوت الإنتظام وجعل الأول أيضا بمعناه مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه .
وقيل : على أنه مفعول له أي لأجل متاع الحياة الدنيا والعامل فيهالإستقرار وتعقب بأن المعلل بما ذكر نفس البغي لا كونه على أنفسهم وقيل : العامل فيه فعل مدلول عليه بالمصدر أي تبعون لأجل متاع الحياةالدنيا على أن الجملة مستأنفة وقيل : على أنه مفعول صريح للمصدر وعليكم متعلق به لا خبر لما مر والمراد بالأنفس الجنس والخبرمحذوف لطول الكلام والتقدير إنما بغيكم على أبناء جنسكم متاع الحياة الدنيا مذموم أو منهي عنه أو ضلال أو ظاهر الفساد أو نحو ذلك وفيه الإبتناء على أن البغي بمعنى الطلب وقد علمت ما فيه نعم لوجعل نصبه على العلة أي إنما بغيكم على أبناء جنسكم لأجل متاع الحياةالدنيا مذموم كما إختاره بعضهم لكان له وجه في الجملة لكن الحق الذي يقتضيه جزالة النظم هو الأول وقرأ الجمهور متاع بالرفع .
قال صاحب المرشد : وفيه وجهان أحدهما كونه الخبر والظرف صلةالمصدر والثاني كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع وزيدوجهه آخر وهو كونه خبرا بعد خبر لبغيكم والمختار بل المتعين علىالوجه الأول كون المراد بأنفسكم أبناء جنسكم أو أمثالكم على سبيل الإستعارة والتعبير عنهم بذلك للتشفيق والحث على ترك إيثار التمتعالمذكور على ما ينبعغي من الحقوق ولا مانع على الوجهين الأخيرين من الحمل على الحقيقة كما بين ذلك مولانا شيخ الإسلام وقرىء بنصب المتاع والحياة وخرج نصب الأول على ما مر ونصب الثاني على أنه بدل إشتمالمن الأول .
وقيل : على أنه مفعول به له إذا لم يكن إنتصابه على المصدرية لأن المصدر المؤكد لا يعمل وذكر أبو البقاء أنه قرئ بجرهما على أن 4الثاني مضاف غليه والأول نعت للأنفس أي ذات متاع وجوز أن يكون