كثير معنى ولا يتصور على ما قيل أن يعلل النفاق بالبخل أولا ثم يعلل بأمرين غيره بغير عطف ألا ترى لو قلت : حملني على إكرام زيد علمه لأجل أنه شجاع وجواد كان خلفا حتى تقول حملني على إكرام زيد علمه وشجاعته وجوده .
وقال الإمام : ولأن غاية البخل ترك بعض الواجبات وهو لا يوجب حصول النفاق الذي هو كفر وجهل في القلب كما في حق كثير من الفساق وكون هذا البخل بخصوصه يعقب النفاق والكفر لما فيه من عدم إطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وخلف وعده كما قيل لا يقتضي الأرجحية بل الصحة ولعلها لا تنكر واختيار الزمخشري كان لنزعة اعتزالية هي أنه تعالى لا يقضي بالنفاق ولا يخلقه لقاعدة التحسين والتقبيح وجوز أن يكون الضمير المنصوب للبخل أيضا والمراد باليوم يوم القيامة وهناك مضاف محذوف أي يلقون جزاءه و ما مصدرية .
والجمع بين صيغتي الماضي والمضارع للإيذان بالإستمرار أي بسبب إخلافهم ما وعدوه تعالى من التصدق والصلاح وبسبب كونهم مستمرين على الكذب في جميع المقالات التي من جملتها وعدهم المذكور وقيل : المراد كذبهم فيما تضمنه خلف الوعد فإن الوعد وإن كان إنشاء لكنه متضمن للخبر فإذا تخلف كان قبيحا من وجهين الخلف والكذب الضمني وفيه نظر لأن تخصيص الكذب بذلك يؤدي إلى تخلية الجمع بين الصيغتين عن المزية وقد إشتملت الآية على خصلتين من خصال المنافقين فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ويستفاد من الصحاح آية أخرى له إذا خاصم فجر واستشكل ذلك بأن هذه الخصال قد توجد في المسلم الذي لا شك فيه ولا شبهة تعتريه بل كثير من علمائنا اليوم متصفون بأكثرها أو بها كلها وأجيب بأن المعنى أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها يشبه المنافقين في التخلق بها والمراد بقوله E على ما في بعض الروايات الصحيحة أربع من كن فيه كان منافقا خالصا أنه كان شديد الشبه بالمنافقين لا أنه كان منافقا حقيقة .
وقيل : إن الأخبار الواردة في هذا الباب إنما هي فيمن كانت تلك الخصال غالبة عليه غير مكترث بها ولا نادم على إرتكابها ومثله لا يبعد أن يكون منافقا حقيقة وقيل : هي في المنافقين الذين كانوا في زمنه E فإنهم حدثوا في أيمانهم فكذبوا واؤتمنوا على دينهم فخانوا ووعدوا في النصرة للحق فأخلفوا وخاصموا ففجروا وروي هذا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وإليه رجع الحسن بعد أن كان على خلافه قال القاضي عياض : وإليه مال أكثر أئمتنا وقيل : كان ذلك في رجل بعينه وهو خارج مخرج قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما بال أقوام يفعلون كذا لأناس مخصوصين منعه كرمه E أن يواجههم بصريح القول وحكى الخطابي عن بعضهم أن المقصود من الأخبار تحذير المسلم أن يعتاد هذه الخصال ولعله راجع إلى ما أجيب به أولا وبالجملة يجب على المؤمن إجتناب هذه الخصال فإنها في غاية القبح عند ذوي الكمال .
مساو لو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطلاق وقريء يكذبون بتشديد الذال ألم يعلموا أي المنافقون أو من عاهد الله تعالى وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ بالتاء على أنه خطاب للمؤمنين وقيل : للأولين على الألتفات ويأباه قوله تعالى :