قلتم : كذا وكذا قالوا : يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فنزلت وأخرج ابن جرير وابن مردويه وغيرهما عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونزل القرآن قال عبدالله : فأنا رأيت الرجل متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول : يا رسول الله إنا كنا نخوض ونلعب ورسول الله E يقول ما أمره الله تعالى به في قوله سبحانه : قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزؤن .
56 .
- وجاء في بعض الروايات أن هذا المتعلق عبدالله بن أبي رأس المنافقين وهل أنكروا ما قالوه واعتذروا بهذا العذر الباطل أو لم ينكروه وقالوا ما قالوا فيه خلاف والإمام على الثاني وهو أوفق بظاهر النظم الجليل .
وأصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وإذاء وأرادوا إنما نلعب ونتلهى لتقصر مسافة السفر بالحديث والمداعبة كما يفعل الركب ذلك لقطع الطريق ولم يكن ذلك منا على طريق الجد والإستفهام للتوبيخ وأولى المتعلق إيذانا بأن الإستهزاء واقع لا محالة لكن الخطاب في المستهزأ به أي قل لهم غير ملتفت إلى إعتذارهم ناعيا عليهم جناياتهم قد استهزأتم بمن لا يصح الإستهزاء به وأخطأتم مواقع فعلكم الشنيع الذي طالما ارتكبتموه ومن تأمل علم أن قولهم السابق في سبب النزول متضمن للإستهزاء المذكور لا تعتذروا أي لا تشتغلوا بالإعتذار وتستمروا عليه فليس النهي عن أصله لأنه قد وقع وإنما نهوا عن ذلك لأن ما يزعمونه معلوم الكذب بين البطلان والإعتذار قيل : إنه عبارة عن محو أثر الذنب من قولهم : اعتذرت المنازل إذا درست لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه واندراسه .
وقيل : هو القطع ومنه يقال للقلفة عذرة لأنها تعذر أي تقطع وللبكارة عذرة لأنها تقطع بالافتراع ويقال : اعتذرت المياه إذا انقطعت فالعذر لما كان سببا لقطع اللوم سمي عذرا والقولان منقولان عن أهل اللغة وهما على ما قال الواحدي متقاربان قد كفرتم أي أظهرتم الكفر بايذاء الرسول E والطعن فيه بعد إيمانكم أي إظهاركم الإيمان وهذا وما قبله لأن القوم منافقون فأصل الكفر في باطنهم ولا إيمان في نفس الأمر لهم .
واستدل بعضهم بالآية على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ولا خلاف بين الأئمة في ذلك إن نعف عن طائفة منكم لتوبتهم وإخلاصهم على أن الخطاب لجميع المنافقين أو لتنجيتهم عن الإيذاء والإستهزاء على أن الخطاب للمؤذين والمستهزئين منهم والعفو في ذلك عن عقوبة الدنيا العاجلة نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين .
66 .
- أي مصرين على النفاق وهم غير التائبين أو مباشرين له وهم غير المجتنبين .
أخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال من خبر فيه طول : كان الذي عفي عنه مخشى بن حمير الأشجعي فتسمى عبدالرحمن وسأل الله تعالى أن يقتل شهيدا لا يعلم مقتله فقتل يوم اليمامة فلم يعلم مقتله ولا قاتله ولم ير له عين ولا أثر .
وفي بعض الروايات أنه لما نزلت هذه الآية تاب عن نفاقه وقال : اللهم إني لا أزل أسمع آية تقشعر منها