لأن المراد بالآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع إليهم ويدل له قوله تعالى : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أتاه مال من الصدقة فجعله في صنف واحد وهو المؤلفة قلوبهم ثم أتاه مال آخر فجعله في الغارمين فدل ذلك على أنه يجوز الإقتصار على صنف واحد ودليل جواز الإقتصار على شخص واحد منه أن الجمع المعرف بال مجاز عن الجنس فلو حلف لا يتزوج النساء ولا يشتري العبيد يحنث بالواحد فالمعنى في الآية أن جنس الصدقة لجنس الفقير فيجوز الصرف إلى واحد لأن الإستغراق ليس بمستقيم إذ يصير المعنى إن كل صدقة لكل فقير وهو ظاهر الفساد وليس هناك معهود ليرتكب العهد ولا يرد خالعني على ما في يدي من الدراهم ولا شيء في يدها فإنه يلزمها ثلاثة ولو حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور فإنه يقع على العشرة عند الإمام وعلى الأسبوع والسنة عند الإمامين لأنه أمكن للعهد فلا يحمل على الجنس فالحاصل أن حمل الجمع على الجنس مجاز وعلى العهد أو الإستغراق حقيقة ولا مساغ للخلف إلا عند تعذر الأصل وعلى هذا ينصف الموصى به لزيد والفقراء كالوصية لزيد وفقير .
وما ذهبنا إليه هو المروي عن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وبه قال سعيد بن جبير وعطاء وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل ومالك عليهم الرحمة وذكر ابن المنير أن جده أبا العباس أحمد بن فارس كان يستنبط من تغاير الحرفين المذكورين دليلا على أن الغرض بيان المصرف واللام لذلك فيقول : متعلق الجار الواقع خبرا عن الصدقات محذوف فإما أن يكون التقدير إنما الصدقات مصروفة للفقراء كما يقول مالك ومن معه أو مملوكة للفقراء كما يقول الشافعي لكن الأول متعين لأنه تقدير يكتفي به في الحرفين جميعا ويصح تعلق اللام وفي معا به فيصح أن يقال : هذا الشيء مصروف في كذا ولكذا بخلاف تقدير مملوكة فإنه إنما يلتئم مع اللام وعند الإنتهاء إلى في يحتاج إلى تقدير مصروفة ليلتئم بها فتقديره من الأول عام التعلق شامل الصحة متعين أه وبالجملة لا يخفى قوة منزع الأئمة الثلاثة في الأخذ .
ولذا اختار الشافعية ما ذهبوا إليه وكان والد العلامة البيضاوي عمر بن محمد وهو مفتي الشافعية في عصره يفتي به فريضة من الله مصدر مؤكد لمقدر مأخوذ من معنى الكلام أي فرض لهم الصدقات فريضة ونقل عن سيبويه أنه منصوب بفعله مقدرا أي فرض الله تعالى ذلك فريضة واختار أبو البقاء كونه حالا من الضمير المستكن في قوله تعالى للفقراء أي إنما الصدقات كائنة لهم حال كونها فريضة أي مفروضة قيل : ودخلته التاء لإلحاقه بالأسماء كنطيحة والله عليم بأحوال الناس ومراتب إستحقاقهم حكيم .
6 .
- لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة من الأمور الحسنة التي من جملتها سوق الحقوق إلى مستحقيها ومنهم الذين يؤذون النبي وقولون هو أذن أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في جماعة من المنافقين منهم الحلاس بن سويد بن صامت ورفاعة ابن عبد المنذر ووديعة بن ثابت وغيرهم قالوا ما لا ينبغي في حقه E فقال رجل منهم : لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ما تقولون فيقع بنا فقال الحلاس : بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم أذن وفي رواية أذن سامعة وعن محمد بن إسحاق أنها نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث وكان رجلا آدم أحمر العينين أسفع الخدين