وأخرج ابن جرير وغيره عن داؤد بن أبي عاصم قال : أوتي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت وورائه رجل من الأنصار فقال : ما هذا بالعدل فنزلت وعن الكلبي أنها نزلت في أبي الجواظ المنافق قال : ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاء الغنم ويزعم أنه يعدل .
وتعقب هذا ولي الدين العراقي بأنه ليس في شيء من كتب الحديث وأنت تعلم أن أصح الروايات الأولى إلا أن كون سبب النزول قسمته صلى الله تعالى عليه وسلم للصدقة على الوجه الذي فعله أوفق بالآية من كون ذلك قسمته للغنيمة فتأمل ولو أنهم رضوا ماآتاهم الله ورسوله أي ما أعطاهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم من الصدقات طيبي النفوس به وإن قل فما وإن كانت من صيغ العموم إلا أن ما قبل وما بعد قرينة على التخصيص وبعض أبقاها على العموم أي ما أعطاهم من الصدقة أو الغنيمة قيل لأنه الأنسب وذكر الله D للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول E كان بأمره سبحانه وقالوا حسبنا الله أي كفانا فضله وما قسمه لنا كما يقتضيه المعنى سيؤتينا الله من فضله ورسوله بعد هذا حسبما نرجو ونأمل إنا إلى الله راغبون .
95 .
- في أن يخولنا فضله جل شأنه والآية بأسرها في حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره أي لكان خيرا لهم وأعود عليهم وقيل : إن جواب الشرط قالوا والواو زائدة وليس بذاك ثم إنه سبحانه لما ذكر المنافقين وطعنهم وسخطهم بين أن فعله E لإصلاح الدين وأهله لا لأغراض نفسانية كأغراضهم فقال جل وعلا : إنما الصدقات للفقراء والمساكين الخ يعني أن الذي ينبغي أن يقسم مال الله عليه من اتصف بإحدى هذه الصفات دون غيره إذ القصد الصلاح والمنافقون ليس فيهم سوى الفساد فلا يستحقونه وفي ذلك حسم لأطماعهم الفارغة ورد لمقالتهم الباطلة والمراد من الصدقات الزكوات فيخرج غيرها من التطوع والفقير على ما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير نام وهو مستغرق في الحاجة والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته وهو ما يواري بدنه ويحل له ذلك بخلاف الأول حيث لا تحل له المسئلة فإنها لا تحل لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه وعند بعضهم لا تحل لمن كان كسوبا أو يملك خمسين درهما فقد أخرج أبو داؤد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سألنا وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل : يا رسول الله وما يغنيه قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب وإلى هذا ذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق وقيل : من ملك أربعين درهما حرم عليه السؤال لما أخرج أبو داؤد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف وكان الأوقية في ذلك الزمان أربعين درهما ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسئلة بعد كونه فقيرا ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة للحاجة ولذا قالوا : يجوز للعالم وإن كانت له كتب تساوي نصبا كثيرة إذا كان محتاجا إليها للتدريس ونحوه أخذ الزكاة بخلاف العامي وعلى هذا جميع آلات المحترفين .
وعلى ما نقل عن الإمام يكون المسكين أسوء حالا من الفقير واستدل بقوله تعالى : أو مسكينا ذا متربة أي