إنكار تشبيه وصفيهم المذكورين في حد ذاتهما مع الإغماض عن مقارنتهما للشرك بالإيمان والجهاد .
والقول باعتبار المقارنة مما أغمض عنه المحققون لإباء المقام إياه كيف لا وقد بين حبوط أعمالهم بذلك الإعتبار وكونها بمنزلة العدم فتوبيخهم بعد على تشبيهها بالإيمان والجهاد ثم رد ذلك بما يشعر بعدم حرمانهم عن أصل الفضيلة بالكلية مما لا يساعده النظم الكريم ولو اعتبر لما احتيج إلى تقرير إنكار التشبيه وتأكيده بشيء آخر إذ لا شيء أظهر بطلانا من نسبة المعدوم إلى الموجود وقيل : لا مانع من إعتبارها ويقطع النظر عما تقدم من بيان الحبوط وعدم الحرمان من المشعور به مبني على ذلك وفيه ما فيه والمعنى أجعلتم أهل السقاية والعمارة في الفضيلة وعلو الدرجة كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيله أو أجعلتموهما في ذلك كالإيمان والجهاد وشتان ما بينهما فإن السقاية والعمارة وإن كانتا في أنفسهما من أعمال البر والخير لكنهما وإن خلتا عن القوادح بمعزل أن يشبه أهلهما بأهل الإيمان والجهاد أو يشبه نفسهما بنفس الإيمان والجهاد وذلك قوله سبحانه : لايستوون عند الله أي لا يساوي الفريق الأول الثاني وبظاهره يترجح التقدير الأول وإذا كان المراد لايستوون بأوصافهم يرجع إلى نفي المساواة في الأوصاف فيوافق الإنكار على التقدير الثاني وإسناد عدم الإستواء إلى الموصوفين لأن الأهم بيان تفاوتهم وتوجيه النفي ههنا والإنكار فيما سلف إلى الإستواء والتشبيه مع أن دعوى المفتخرين بالسقاية والعمارة من المشركين أو المؤمنين إنما هي الأفضلية دون التساوي والتشابه للمبالغة في الرد عليهم فإن نفي التساوي والتشابه نفي للأفضلية بالطريق الأولى لكن ينبغي أن يعلم أن الإفضلية التي يدعيها المشركون تشعر بثبوت أصل الفضيلة للمفضل عليه وهم بمعزل عن إعتقاد ذلك وكيف يتصور منهم أن في جهادهم وقتلهم فضيلة أو أن في الإيمان المستلزم لتسفيه رأيهم فيما هم عليه فضيلة فلا بد أن يكون ذلك من باب المجاراة فلا تغفل .
والجملة إستئناف لتقرير الإنكار المذكور وتأكيده وجوز أبو البقاء أن تكون حالا من مفعولي الجعل والرابط ضمير الجمع كأنه قيل : سويتم بينهم حال كونهم متفاوتين عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين .
91 .
- أريد بهم المشركون وبالظلم الشرك أو وضع الشيء في غير موضعه شركا كان أو غيره فيدخل فيه ظلمهم في ذلك الجعل وهو أبلغ في الذم والمراد من الهداية الدلالة الموصلة لا مطلق الدلالة لأنه لا يناسب المقام وهذا حكم منه تعالى أنه سبحانه لايوفق هؤلاء الظالمين إلى معرفة الحق وتمييز الراجح من المرجوح ولعله سيق لزيادة تقرير عدم التساوي .
وقوله سبحانه الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله إستئناف لبيان مراتب فضلهم زيادة في الرد وتكميلا له وزيادة الهجرة وتفصيل نوعي الجهاد للإيذان بأن ذلك من لوازم الجهاد لا أنه أعتبر بطريق التدارك أمر لم يعتبر فيما سلف والظاهر من السياق أن المفضل عليه أهل السقاية والعمارة من المشركين وقد أنشرنا إلى ما له وما عليه حسبما ذكره بعض الفضلاء وأنا أقول : إذا أريد من أفعل المبالغة في الفضل وعلو المرتبة والمنزلة فالأمر هين وإذا أريد به حقيقته فهناك إحتمالان الأول أن يقال : حذف المفضل عليه إيذانا بالعموم أي إن هؤلاء المتصفين بهذه الصفات أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم يتصف بها كائنا من كان ويدخل فيه أهل السقاية والعمارة ويكفي في تحقيق حقيقة أفعل