ومما يدل على أن المقام لنفي الإفتخار ما أخرجه أبو الشيخ وابن جرير عن الضحاك أنه لما أسر العباس عيره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ عليه علي كرم الله تعالى وجهه في القول فقال : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونقري الحجيج ونفك العاني فنزلت : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه أولئك أي المشركون المذكورون حبطت أعمالهم التي يفتخرون بها بما قارنها من الكفر فصارت كلا شيء وفي النار هم خالدون .
71 .
- لعظم ماارتكبوه وإيراد الجملة إسمية للمبالغة في الخلود والظرف متعلق بالخبر قدم عليه للإهتمام به ومراعاة للفاصلة وهذه الجملة قيل : عطف على جملة حبطت على أنها خبر آخر لأولئك وقيل : هي مستأنفة كجملة أولئك حبطت وفائدتهما تقرير النفي السابق الأولى من جهة نفي إستتباع الثواب والثانية من جهة نفي استدفاع العذاب إنما يعمر مساجد الله اختلف في المراد بالمساجد هنا كما اختلف في المراد بها هناك خلا أن من قال هناك بأن المراد المسجد الحرام لا غير جوز هنا إرادة جميع المساجد قائلا : إنها غير مخالفة لمقتضى الحال فإن الإيجاب ليس كالسلب وادعى أن المقصود قصر تحقق العمارة على المؤمنين لا قصر لياقتها وجوازها وأنا أرى قصر اللياقة لائقا بلا قصور وقريء بالتوحيد أي إنما يليق أن يعمرها من آمن بالله واليوم الآخر على الوجه الذي نطق به الوحي وأقام الصلاة وءاتى الزكاة التي أتى بهما الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فيندرج في ذلك الإيمان به E حتما إذ لا يتلقى ذلك إلا منه صلى الله تعالى عليه وسلم .
وجوز أن يكون ذكر الإيمان به E قد طوى تحت ذكر الإيمان بالله تعالى دلالة على أنهما كشيء واحد إذا ذكر أحدهما فهم الآخر على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى ما يجب الإيمان به أجمع ومن جملته رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : إنما لم يذكر E لأن المراد بمن هو صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه أي المستحق لعمارة المساجد من هذه صفته كائنا من كان وليس الكلام في إثبات نبوته E والإيمان به بل فيه نفسه وعمارته المسجد واستحقاقه لها فالآية على حد قوله سبحانه : إني رسول الله اليكم جميعا إلى قوله تعالى : فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته والوجه الثاني أولى والمراد بالعمارة ما يعم مرمة ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتزيينها بالفرش لا على وجه يشغل قلب المصلي عن الحضور ولعل ما هو من جنس ما يخرج من الأرض كالقطن والحصر السامانية أولى من نحو الصوف إذ قيل : بكراهة الصلاة عليه وتنويرها بالسرج ولو لم يكن هناك من يستضيء بها على ما نص عليه جمع وإدامة العبادة والذكر ودراسة العلوم الشرعية فيها ونحو ذلك وصيانتها مما لم تبن له في نظر الشارع كحديث الدنيا ومن ذلك الغناء على مآذنها كما هو معتاد الناس اليوم لاسيما بالأبيات التي غالبها هجر من القول وقد روي عنه E الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش وهذا حديث في الحديث المباح فما ظنك بالمحرم مطلقا أو المرفوع فوق المآذن وأخرج الطبراني بسند صحيح عن سلمان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر الله تعالى وحق على المزور أن يكرم الزائر وأخرج سليم الرازي في الترغيب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال :