وجاء من رواية أحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وغيرهم عن أنس قال : بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا كرم الله تعالى وجهه فأعطاه إياه وهذا ظاهر في أن عليا لم يأخذ ذلك من أبي بكر في الطريق وأكثر الروايات على خلافه وجاء في بعضها ما هو ظاهر في عدم عزل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن الأمر بل ضم إليه علي كرم الله تعالى وجهه فقد أخرج الترمذي وحسنه والبهيقي في الدلائل وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فحجا فقام علي رضي الله تعالى عنه في أيام التشريق فنادى أن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان علي كرم الله تعالى وجهه ينادي فإذا أعيا قام أبوبكر رضي الله تعالى عنه فنادى بها وأيا ما كان ليس في شيء من الروايات ما يدل على أن عليا رضي الله تعالى عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دون أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا يبلغ عني غيري أو رجل مني سواء كان بوحي أم لا جار على عادة العرب أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا رجل من الأقارب لتنقطع الحجة بالكلية فالتبليغ المنفي ليس عاما كما يرشد إلى ذلك حديث أحمد والترمذي .
وكيف يمكن إرادة العموم وقد بلغ عنه صلى الله تعالى عليه وسلم كثيرا من الأحكام الشرعية في حياته وبعد وفاته كثير ممن لم يكن من أقاربه صلى الله تعالى عليه وسلم كعلي كرم الله تعالى وجهه ومنهم أبوبكر رضي الله تعالى عنه فإنه في تلك السنة حج بالناس وعلمهم بأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سنن الحج وما يلزم فيه وهو أحد الأمور الخمسة التي بني الإسلام عليها على أن من أنصف من نفسه علم أن في نصب أبي بكر رضي الله تعالى عنه لإقامة مثل هذا الركن العظيم من الدين على ما يشعر به قوله سبحانه : ولله على الناس حج البيت الآية إشارة إلى أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في إقامة شعائر دينه لا سيما وقد أيد ذلك بإقامته مقامه E في الصلاة بالناس في آخر أمره E وهي العماد الأعظم والركن الأقوم لدينه E في الصلاة بالناس والقول بأنه رضي الله تعالى عنه عزل في المسألتين كما يزعمه بعض الشيعة لا أصل له وعلى المدعي البيان ودونه الشم الراسيات وبالجملة دلالة لاينبغي الخ على الخلافة مما لا ينبغي القول بها وقصارى ما في الخبر الدلالة على فضل الأمير كرم الله تعالى وجهه وقربه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمن لا ينكر ذلك لكنه بمعزل عن إقتضائه التقدم بالخلافة على الصديق رضي الله تعالى عنه وقد ذكر بعض أهل السنة نكتة في نصب أبي بكر أميرا للناس في حجهم ونصب الأمير كرم الله تعالى وجهه مبلغا نقض العهد في ذلك المحفل وهي أن الصديق رضي الله تعالى عنه لما كان مظهرا لصفة الرحمة والجمال كما يرشد إليه ما تقدم في حديث الإسراء وما جاء من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر أحال إليه E أمر المسلمين الذين هم مورد الرحمة ولما كان علي كرم الله تعالى وجهه الذي هو أسد الله مظهر جلاله فوض إليه نقض عهد الكافرين الذي هو من آثار الجلال وصفات القهر فكانا كعينين فوارتين يفور من إحداهما صفة الجمال ومن الأخرى صفة الجلال في ذلك المجمع العظيم الذي كان انموذجا للحشر وموردا للمسلم والكافر انتهى ولا يخفى حسنه لو لم يكن في البين تعليل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم