النفسانية وابن السبيل الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة السائحة في منازل السلوك النائية عن مقرها الأصلي باعتبار التوحيد التفصيلي والأخماس الأربعة الباقية بعد هذا الخمس من الغنيمة تقسم على الجوارح والأركان والقوى الطبيعية إن كنتم آمنتم بالله تعالى الإيمان الحقيقي جمعا وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان وقت التفرقة بعد الجمع تفصيلا يوم التقى الجمعان من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى مشاهدة التفصيل في الجمع والله على كل شيء قدير فيتصرف فيه حسب مشيئته وحكمته إذ أنتم بالعدوة الدنيا أي القريبة من مدينة العلم ومحل العقل الفرقاني وهم بالعدوة القصوى أي البعيدة من الحق والركب أي ركب القوى الطبيعية الممتارة أسفل منكم معشر الفريقين ولو تواعدتم اللقاء للمحاربة من طريق العقل دون طريق الرياضة لاختلفتم في الميعاد لكون ذلك أصعب من خرط القتاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا مقدرا محققا فعل ذلك ليهلك من هلك عن بينة وهي النفس الملازمة للبدن الواجب الفناء ويحيى من حي عن بينة وهي الروح المجردة المتصلة بعالم القدس الذي هو معدن الحياة الحقيقية الدائم البقاء وبينة الأول تلك الملازمة وبينة الثاني ذلك التجرد والإتصال إذ يريكهم الله أيها القلب في منامك وهو وقت تعطل الحواس الظاهرة وهدو القوى البدنية قليلا أي قليل القدر ضعاف الحال ولو أراكهم كثيرا في حال غلبة صفات النفس لفشلتم ولتنازعتم في الأمر أمر كسرها وقهرها لإنجذاب كل منكم إلى جهة ولكن الله سلم من الفشل والتنازع بتأييده وعصمته إنه عليم بذات الصدور أي بتحقيقها فيثبت علمه بما فيها من باب الأولى ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم وهم القوى النفسانية خرجوا من مقارهم وحدودهم بطرا فخرا وأشرا ورئاء الناس وإظهارا للجلادة .
وقال بعضهم : حذر الله تعالى بهذه الآية أولياؤه عن مشابهة أعدائه في رؤية غيره سبحانه ويصدون عن سبيل الله هو التوحيد والمعرفة وإذ زين لهم الشيطان أي شيطان الوهم أعمالهم في التغلب على مملكة القلب وقواه وقال لا غالب لكم اليوم من الناس أوهمهم تحقيق أمنيتهم بأن لا غالب لكم من ناس الحواس وكذا سائر القوى وإني جار لكم أمدكم وأقويكم وأمنعكم من ناس القوى الروحانية فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه لشعوره بحال القوى الروحانية وغلبتها لمناسبته إياها من حيثية إدراك المعاني وقال إني بريء منكم لأني لست من جنسكم إني أرى ما لا ترون من المعاني ووصول المدد إليهم من سماء الروح وملكوت عالم القدس إني أخاف الله سبحانه لشعور ببعض أنواره وقهره وذكر الواسطي بناء على أن المراد من الشيطان الظاهر أن اللعين ترك ذنب الوسوسة إذ ذاك لكن ترك الذنب إنما يكون حسنا إذا كان إجلالا وحياء من الله تعالى لا خوفا من البطش فقط وهو لم يخف إلا كذلك والله شديد العقاب إذ صفاته الذاتية والفعلية في غاية الكمال اه بأدنى تغيير وزيادة وذكر أن الفائدة في مثل هذا التأويل تصوير طريق السلوك للتنشيط في الترقي والعروج ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا وهم الذين غلبت عليهم صفات النفس الملائكة أي ملائكة القهر والعذاب يضربون وجوههم لإعراضهم عن عالم الأنوار ومزيد الكبر والعجب وأدبارهم لميلهم إلى عالم الطبيعة ومضاعف الشهوة والحرص ويقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق وهو عذاب الحرمان وفوات المقصود ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي حتى يفسدوا إستعدادهم فلا تبقى لهم مناسبة للخير وحينئذ يغير الله سبحانه النعمة