يدعيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا الحق مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأولين وفي الكشاف أن قولهم : هو الحق تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين هذا هو الحق وزعم بعضهم أن هذا قول بأن اللام للجنس وأشار إلى أن الأولى حملها على العهد الخارجي على معنى الحق المعهود المنزل من عند الله تعالى هذا لا أساطير الأولين فالتركيب مفيد لتخصيص المسند إليه بالمسند على آكد وجه وحمل كلام البيضاوي على ذلك وطعن في مسلك الكشاف بعدم ثبوت قائل أو لا على وجه التخصيص يتهكم به ولا يخفى ما فيه من المنع والتعسف وأمطر إستعارة أو مجاز لأنزل وقد تقدم الكلام في المطر والإمطار وقوله سبحانه : من السماء صفة حجارة وذكره للإشارة إلى أن المراد بها السجيل والحجارة المسومة للعذاب يروى أنها حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم وجوز أن يكون الجار متعلقا بالفعل قبله والمراد بالعذاب الأليم غير إمطار الحجارة بقرينة المقابلة ويصح أن يكون من عطف العام على الخاص وتعلق من عندك بمحذوف قيل : هو حال مما عنده أو صفة له وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والأعمش الحق بالرفع على أنه مبتدأ لا فصل وقول الطبرسي : إنه لم يقرأ بذلك ليس بذاك ولا أرى فرقا بين القراءتين من جهة المراد بالتعريف خلافا لمن زعمه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم جواب لكلمتهم الشنعاء وبيان لما كان الموجب لإمهالهم وعدم إجابة دعائهم الذي قصدوا به ما قصدوا واللام هي التي تسمى لام الجحود ولام النفي لإختصاصها بمنفي كان الماضية لفظا أو معنى وهي إما زائدة أو غير زائدة والخبر محذوف أي ما كان الله مريدا لتعذيبهم وأيا ما كان فالمراد تأكيد النفي أما على زيادتها فظاهر وأما على عدم زيادتها وجعل الخبر ما علمت فلان نفى إرادة الفعل أبلغ من نفيه وقيل : في وجه إفادة اللام تأكيد النفي هنا أنها هي التي في قولهم : أنت لهذه الخطة أي مناسب لها وهي تليق بك ونفي اللياقة أبلغ من نفي أصل الفعل ولا يخلو عن حسن وإن قيل : إنه تكلف لا حاجة إليه بعد ما بينه النحاة في وجه ذلك وحمل غير واحد العذاب على عذاب الإستئصال واعترض بأنه لا دليل على هذا التقييد مع أنه لا يلائمه المقام وأجيب بمنع عدم الملاءمة بل من أمعن النظر في كلامهم رآه مشعرا بطلب ذلك والدليل على التقييد أنه وقع عليهم العذاب والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيهم كالقحط فعلم أن المراد به عذاب الإستئصال والقرينة عليه تأكيد النفي الذي يصرفه إلى أعظمه فالمراد من الآية الإخبار بأن تعذيبهم عذاب إستئصال والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بين أظهرهم خارج عن عادته تعالى غير مستقيم في حكمه وقضائه والمراد بلإستغفار في قوله سبحانه : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون .
32 .
- إما إستغفار من بقي بينهم من المؤمنين المستضعفين حين هاجر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وروي هذا عن الضحاك واختاره الجبائي وقال الطيبي : إنه أبلغ لدلالته على إستغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة وإسناد الإستغفار إلى ضمير الجمع لوقوعه فيما بينهم ولجعل ما صدر عن البعض كما قيل بمنزلة الصادر عن الكل فليس هناك تفكيك للضمائر كما يوهمه كلام ابن عطية .
وأما دعاء الكفرة بالمغفرة وقولهم غفرانك فيكون مجرد طلب المغفرة منه تعالى مانعا من عذابه جل شأنه ولو من الكفرة وروي هذا عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا : إن قريشا لما قالوا ما قالوا ندموا حين أمسوا فقالوا : غفرانك اللهم وأما التوبة والرجوع عن جميع ما هم عليه من الكفر وغيره على معنى لو إستغفروا لم يعذبوا كقوله تعالى : وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون وروي هذا عن السدي وقتادة