تعالى لم يعصه وحاصل ذلك أنه كلام منقطع عما قبله والمقصود منه تقرير قولهم في جميع الأزمنة حيث ادعى لزومه لما هو مناف له ليفيد ثبوته على تقدير الشرط وعدمه فمعنى الآية حينئذ أنه انتفى الإسماع لإنتفاء علم الخير وأنهم ثابتون على التولي ففي الشرطية الأولى اللزوم في نفس الأمر وفي الثانية إدعائي فلا يكون على هيئة القياس .
وقال العلامة الثاني : يجوز أن يكون التولي منفيا بسبب إنتفاء الإسماع كما هو مقتضى أصل لو لأن التولي بمعنى الإعراض عن الشيء كما هو أصل معناه لا بمعنى مطلق التكذيب والإنكار فعلى تقدير عدم إسماعهم ذلك الشيء لم يتحقق التولي والإعراض لأن الإعراض عن الشيء فرع تحققه ولم يلزم من هذا تحقق الإنقياد له لأن الإنقياد للشيء وعدم الإنقياد له ليسا على طرفي النقيض بل العدول والتحصيل لجواز إرتفاعهما بعدم ذلك الشيء وحاصله كما قيل : إنه إذا كان التولي بمعنى الإعراض يجوز أن يكون لو بمعناه المشهور ويكون المقصود الإخبار بأن إنتفاء الثاني في الخارج لإنتفاء الأول فيه كالشرطية الأولى ولا ينتظم منهما القياس إذ ليس المقصود منهما بيان إستلزام الأول والثاني في نفس الأمر ليستدل بل إعتبار السببية واللزوم بينهما ليعلم السببية بين الإنتفائين المعلومين في الخارج وما يقال : من أن إنتفاء التولي خير وقد ذكر أن لا خير فيهم مجاب عنه بأن لا نسلم إن إنتفاء التولي بسبب إنتفاء الإسماع خير لأنه لا يجوز أن يكون ذلك بسبب عدم الأهلية للإسماع وهو داء عضال وشر عظيم وإنما يكون خيرا لو كانوا من أهله بأن أسمعوا شيئا ثم إنقادوا له ولم يعرضوا وهذا كما يقال : لا خير في فلان لو كانت به قوة لقتل المسلمين فإن عدم قتل المسلمين بناء على عدم القوة والقدرة ليس خيرا فيه وإن كان خيرا له اه .
ورده الشريف قدس سره بما تعقبه السالكوتي عليه الرحمة نعم قال مولانا محمد أمين ابن صدر الدين : إن حمل التولي ههنا على معنى الإعراض غير ممكن لمكان قوله سبحانه : وهم معرضون وأوجب أن يحمل إما على لازم معناه وهو عدم الإنتفاء لأنه يلزم الإعراض أو على ملزومه وهو الإرتداد لأنه يلزمه الإعراض فليفهم وعن الجبائي أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أخي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك فالمعنى ولو أسمعهم كلام قصي الخ وقيل : هم بنو عبد الدار ابن قصي لم يسلم منهم إلا مصعب بن عمير وسويد بن حرملة كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه قاتلهم الله تعالى فقتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء وعن ابن جريج أنهم المنافقون وعن الحسن أنهم أهل الكتاب والجملة الإسمية في موضع الحال من ضمير تولوا وجوز أن تكون إعتراضا تذييلا أي وهم قوم عادتهم الإعراض يا أيها الذين آمنوا تكرير النداء مع وصفهم بنعت الإيمان لتنشيطهم إلى الإقبال على الإمتثال بما يرد بعده من الأوامر وتنبيههم على أن فيهم ما يوجب ذلك استجيبوا لله وللرسول بحسن الطاعة إذا دعاكم أي الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى مع ما أشرنا إليه آنفا لما يحييكم أي لما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد الذي أعزكم الله تعالى به بعد الذل وقواكم به بعد الضعف ومنعكم به من عدوكم بعد القهر كما روى ذلك عن عروة بن الزبير وإطلاق ما ذكر على العقائد والأعمال وكذا على الجهاد إما إستعارة أو مجاز مرسل بإطلاق السبب على المسبب وقال القتبي : المراد به الشهادة وهو مجاز أيضا وقال قتادة : القرآن وقال أبو مسلم : الجنة وقال غير واحد : هو العلوم الدينية التي هي مناط الحياة الأبدية كما أن الجهل مدار الموت الحقيقي وهو إستعارة مشهورة ذكرها الأدباء