وأجابوا عما تمسك به الأولون من الآيات والأحاديث بأن الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الزمان والساعات وإيضاحه ما قاله إمام الحرمين : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يفضل من عداه بإستمرار تصديقه وعصمة الله تعالى إياه من مخامرة الشكوك والتصديق عرض لا يبقى بشخصه زمانين بل يتجدد أمثاله فتقع للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم دون غيره متوالية فيثبت له صلى الله تعالى عليه وسلم أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر واعترض هذا بأن حصول المثل بعد إنعدام الشيء لا يكون زيادة فيه ودفع بأن المراد زيادة أعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك وأجابوا أيضا بأن المراد الزيادة بحسب زيادة ما يؤمن به والصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا آمنوا في الجملة وكانت الشريعة غير تامة والأحكام تتنزل شيئا فشيئا فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدد منها ولا شك في تفاوت إيمان الناس بملاحظة التفاصيل كثرة وقلة ولا يختص ذلك بعصر النبوة لإمكان الإطلاع عليها في غيره من العصور وبأن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب فإن نوره يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ولا يخفى أن الحجة الأولى يعلم جوابها مما ذكرناه أولا وأما الحجة الثانية التي ذكرها أبو الليث فمما لا يعول عليها عند الحفاظ أصلا لأن رجال السند إلى أبي مطيع كلهم مجهولون لا يعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة وأما أبو مطيع وهو الحكم بن عبدالله بن مسلمة البلخي فقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعمرو بن علي الفلاس والبخاري وأبو داود والنسائي وحاتم الرازي وأبو حاتم محمد بن حبان البستي والعقيلي وابن عدي والدارقطني وغيرهم .
وأما أبو المهزم وقد تصحف على الكتاب واسمه يزيد بن سفيان فقد ضعفه أيضا غير واحد وتركه شعبة ابن الحجاج وقال النسائي : متروك وقد اتهمه شعبة بالوضع حيث قال : لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثا ومن مارس الأحاديث النبوية لا يشك في أن ذلك اللفظ ليس منها في شيء وما ذكره إمام الحرمين على ما فيه مبني على تجدد الأعراض وعدم بقائها زمانين والمسألة خلافية ودون إثبات ذلك خرط القتاد .
وما أجابوا به أولا من أن زيادة الإيمان بحسب زيادة المؤمن به مع كونه خلاف الظاهر ولا داعي إليه عند المنصف لا يكاد يتأتى في قوله تعالى : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقوله تعالى : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم إذ ليس هناك زيادة مشروع يحصل الإيمان به ليقال : إن زيادة الإيمان بحسب زيادة المؤمن به وحال الجواب الثاني لا يخفى عليك .
وذهب جماعة منهم الإمام الرازي وإمام الحرمين في قول إلى أن الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه وعدمهما لفظي وهو فرع تفسير الإيمان فمن فسره بالتصديق قال : إنه لا يزيد ولا ينقص ومن فسره بالأعمال مع التصديق قال : إنه يزيد وينقص وعلى هذا قول البخاري : لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وهو المعنى بما