يكفي في التعليق بالشرط والمراد بالإيمان التصديق ولا خفاء في إقتضائه ما ذكر على معنى أنه من شأنه ذلك لا أنه لازم له حقيقة وقد يراد بالإيمان الإيمان الكامل والأعمال شرط فيه أو شطر فالمعنى إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان يدور على تلك الخصال الثلاثة الإتقاء والإصلاح وإطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤيد إرادة الكمال قوله سبحانه وتعالى : إنما المؤمنون الخ إذ المراد به قطعا الكاملون في الإيمان وإلا لم يصح الحصر وهو حينئذ جار على ما هو الأصل المشهور في النكرة إذا أعيدت معرفة وعلى الوجه الأول لا يكون هذا عين النكرة السابقة ويلتزم القول بأن القاعدة أغلبية كما قد صرحوا به في غير ما موضع أي إنما المؤمنون الكاملون في الإيمان المخلصون فيه الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي فزعت إستعظاما لشأنه الجليل وتهيبا منه جل وعلا والإطمئنان المذكور في قوله سبحانه وتعالى : ألا بذكر الله تطمئن القلوب لا ينافي الوجل والخوف لأنه عبارة عن ثلج الفؤاد وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهو يجامع الخوف وإلى هذا ذهب ابن الخازن ووفق بعضهم بين الآيتين بأن الذكر في إحداهما ذكر رحمة وفي الأخرى ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما وأخرج البيهقي وجماعة عن السدي أنه قال في الآية : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له : اتق الله تعالى فيجل قلبه وحمل الوجل فيها على الخوف منه تعالى كلما ذكر أبلغ في المدح من حمله على الخوف وقت الهم بمعصية أو إرادة ظلم وهذا الوجل في قلب المؤمن كضرمة السعفة كما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها .
وأخرج ابن جرير وغيره عن أم الدرداء أن الدعاء عند ذلك مستجاب وعلامته حصول القشعريرة .
وقريء وجلت بفتح الجيم ومضارعه يجل وأما وجل بالكسر فمضارعه يوجل وجاء ييجل وياجل وهي لغات أربع حكاها سيبويه وقرأ عبدالله فرقت أي خافت وإذا تليت عليهم ءاياته أي القرآن كما روي عن ابن عباس زادتهم إيمانا أي تصديقا كما هو المتبادر فإن تظاهر الأدلة وتعاضد الحجج مما لا ريب في كونه موجبا لذلك وهذا أحد أدلة من ذهب إلى أن الإيمان يقبل الزيادة والنقص وهو مذهب الجم الغفير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين وبه أقول لكثرة الظواهر الدالة على ذلك من الكتاب والسنة من غير معارض لها عقلا بل قد احتج عليه بعضهم بالعقل أيضا وذلك أنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمكين في الفسق والمعاصي مساويا لإيمان الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام واللازم باطل فكذا الملزوم وقال محيي الدين النووي في معرض بيان ذلك : إن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا منه في بعضها فكذلك التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها وأجابوا عما إعترض به عليه من أنه متى قبل ذلك كان شكا وهو خروج عن حقيقته بأن مراتب اليقين متفاوتة إلى علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين مع أنه لا شك معها وذهب الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكثير من المتكلمين إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص واختاره إمام الحرمين محتجين بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان وذلك لايتصور فيه زيادة ولا نقصان فالمصدق إذا أتى بالطاعات أو إرتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة