فلا بد من القول بالنسخ كما هو إحدى الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما أنها ظاهرة في كون الأنفال صارت ملكا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس لأحد فيها حق أصلا إلا أن يجود عليه E كما يجود من سائر أمواله والمولى المذكور ذهب إلى القول بعدم النسخ ولم يعلم أن هذا الخبر الذي أستند إليه في إنكار وقوع التنفيل يعكر عليه وإدعاء أن معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : فيه وقد صار لي أنه صار حكمه لي لكن عبر بذلك مشاكلة لما في الآية يرده ما في الرواية الأخرى المنصوص على صحتها من الترمذي والحاكم وإني قد وهب لي وحمل ذلك أيضا على مثل ما حمل عليه الأول مما لايكاد يقدم عليه عارف بكلام العرب لا سيما كلام أفصح من نطق بالضاد صلى الله تعالى عليه وسلم وما ذكره قدس سره من أن قوله تعالى : قل الأنفال الخ لا يكون جوابا لسؤال الإستعطاء فإن إختصاص حكم ما شرط لهم بالرسول E لا ينافي الإعطاء بل يحققه وقد يجلب عنه بالتزام الحمل الذي إدعى أن لا سبيل إليه قطعا ويقال بالنسخ وهو من نسخ السنة قبل تقررها بالكتاب وأن المنسوخ إنما هو ذلك التنفيل والتنفيل الذي يقول به العلماء اليوم هو أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه أو يقول للسرية جعلت لكم الربع بعد الخمس أي بعد ما يرفع الخمس للفقراء وقد يكون بغير ذلك كالدراهم والدنانير وذكر في السير الكبير أنه لو قال : ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس لم يجز لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص وبعين ذلك يبطل ما لو قال : من أصاب شيئا فهو له لإتحاد اللازم فيهما بل هو أولى بالبطلان وبه أيضا ينتفى ما قالوا : لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى مصلحة وفيه زيادة إيحاش الباقين وإيقاع الفتنة وذكر السادة الشافعية أن الأصح أن النفل يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح إن نفل مما سيغنم في هذا القتال لأنه المأثور عندهم كما جاء عن ابن المسيب .
ويحتمل أن التنفيل المنسوخ الواقع يوم بدر عند القائل به لم يكن كهذا الذي ذكرناه عن أئمتنا وكذا عن الشافعية الثابت عندهم بالأدلة المذكورة في كتب الفريقين والأخبار التي وقفنا عليها في ذلك التنفيل غير ظاهرة في إتحاده مع هذا التنفيل .
وحينئذ فما نسخ لم يثبت وإنما ثبت غيره وربما يقال : على فرض تسليم أن ما ثبت هو ما نسخ أن دليل ثبوته هو قوله تعالى : يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال فإن ذلك من التحريض ما لا يخفى ودعوى أن حمل أل في الأنفال على العهد يأباه المقام في حيز المنع ومما يستأنس به للعهد أنه يقال لسورة الأنفال سورة بدر فلا يدع أن يراد من الأنفال أنفال بدر وإنباء الإظهار في مقام الإضمار على ما إدعاه في غاية الخفاء وكون الجواب عن سؤال الموعود ببيان إختصاصه به E مما لا يليق بشأنه الكريم أصلا مما لا يكاد يسلم كيف والحكم إلهي والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مأمور بالإبلاغ وقد يقال : حاصل الجواب يا قوم إن ما وعدتكم به بإذن الله تعالى قد ملكنيه سبحانه وتعالى دونكم وهو أعلم بالحكمة فيما فعل أولا وآخرا فاتقوا الله من سوء الظن أو عدم الرضا بذلك ومن هنا يعلم حسن الأمر بالتقوى بعد ذلك الجواب وبطلان ما إدعاه المولى المدقق من أن هذا الأمر نص في الباب وقد يقال أيضا : لا مانع من أن يحمل السؤال على الإستعلام والإختصاص على إختصاص الحكم مع كون المراد بالأنفال المعنى الثاني والمعنى يسألونك عن حال ما وعدتهم إياه هل يستحقونه وإن حرم غيرهم ممن كان ردا وملجأ حيث إنك وعدتهم وأطلقت لهم