الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومنهم فيما قيل سعد بن أبي وقاص وفي رواية المزني عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه يقرأ في الجهرية والسرية وفي رواية البويطي أنه يقرأ في السرية أم القرآن ويضم السورة في الأوليين ويقرأ في الجهرية أم القرآن فقط والمشهور عند الشافعية أنه لا سورة للمأموم الذي يسمع الإمام في جهرية بل يستمع فإن بعد بأن لم يسمع أو سمع صوتا لا يميز حروفه أو كانت سرية قرأ في الأصح وسبب النزول لم يكن القراءة في الصلاة بل أمر آخر فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت وحاصلها النهي عن التكلم عن القراءة ومن الناس من فسر القرآن بالخطبة والأمر بالإستماع أما للوجوب أو الندب وعندنا الإنصات في الخطبة فرض على تفصيل في المسئلة وأخرج غير واحد عن مجاهد رضي الله تعالى عنه أن الآية في الصلاة والخطبة يوم الجمعة وفي كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الإستماع في الجهر بالقرآن مطلقا .
قال في الخلاصة : رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه إستماع القرآن فالإثم على القاريء وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم وهذا صريح في إطلاق الوجوب وعلل ذلك بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب و إذا هنا للكلية وغالب الشرطيات القرآنية المؤداة بها كلية هذا والمراد من الإستماع في الآية المعنى المتبادر منه وقال الزجاج : المراد منه القبول والإجابة وهو بهذا المعنى مجاز كما نص عليه في الأساس ومنه سمع الله تعالى لمن حمده وسمع الأمير كلام فلان ورجح ذلك العلامة الطيبي قال : وهذا أوفق لتأليف النظم الكريم سابقا ولاحقا وأجمع للمعاني والأقوال فإنه تعالى لما ذكر تعريضا أن المشركين إنما استهزأوا بالقرآن ونبذوه ورائهم ظهريا لأنهم فقدوا البصائر وعدموا الهداية والرحمة وأن حالهم على خلاف المؤمنين أمر المؤمنين بما هو أزيد من مجرد الإستماع وهو قبوله والعمل بما فيه والتمسك به وأن لا يجاوزه مرتبا للحكم على تلك الأوصاف ولذلك قيل : إذا قريء القرآن وضعا للمظهر موضع المضمر لمزيد الدلالة على العلية يعني إذا ظهر أيها المؤمنون إنكم لستم مثل هؤلاء المعاندين فعليكم بهذا الكتاب الجامع لصفات الكمال الهادي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى مقام الرحمة والزلفى فاستمعوه وبالغوا في الأخذ منه والعمل بما فيه ليحصل المطلوب ولعلكم ترحمون ويدخل في هذا وجوب الإنصات في الصلاة بطريق الأولى لأنها مقام المناجاة والإستماع من المتكلم وعلى هذا الإنصات عند تلاوة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم اه ويعلم منه أن الخطاب في الآية للمؤمنين بل هو نص في ذلك .
وقال بعضهم : إن الخطاب فيها للكفار وذلك أن كون القرآن بصائر وهدى ورحمة لا يظهر إلا بشرط مخصوص وهو أن النبي E إذا قرأ عليهم القرآن عند نزوله استمعوا له وأنصتوا ليقفوا على معانيه ومزاياه فيعترفوا بإعجازه ويستغنوا بذلك عن طلب سائر المعجزات وأيد هذا بقوله سبحانه وتعالى : في آخر الآية لعلكم ترحمون بناء على أن ذلك للترجي وهو إنما يناسب حال الكفار لا حال المؤمنين الذين حصل لهم الرحمة جزما في قوله تعالى : ورحمة لقوم يؤمنون وأجيب بأن هذه الرحمة المرجوة غير تلك الرحمة ولئن سلم كونها إياها فالأطماع من الكريم واجب فلم يبق فرق وفي بناء الفعل للمفعول إشارة إلى أن مدار القراءة من أي قاريء كان وفي الآية من الدلالة على تعظيم شأن القرآن ما لا يخفى ومن