الكلام فيما بعد من الجوارح الثلاثة الباقية وكلمة أم في قوله تعالى : أم لهم أيد يبطشون بها منقطعة وما فيها من الهمزة لما مر من البكيت وبل للإضراب المفيد للإنتقال من فن منه بعد تمامه إلى آخر منه مما تقدم والبطش الأخذ بقوة .
وقرأ أبو جعفر يبطشون بضم الطاء وهو لغة فيه والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أو يدفعون بها عنكم وتأخير هذا عما قبله كما قال شيخ الإسلام لما أن المشي حالهم في أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة إلى الغير وأما تقديم ذلك على قوله تعالى : أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها مع أن الكل سواء في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل ولأن إنتفاء المشي والبطش أظهر والبكيت به أقوى وأما تقديم الأعين على الآذان فلأنها أشهر منها وأظهر عينا وأثرا وكون الإبصار بالعين والسماع بالأذن جار على الظاهر المتعارف واستدل بالآية من قال : إن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة بها تؤثر إذا أذن الله تعالى لها خلافا لمن قال : إن التأثير عندها لا بها وزعم أن ذلك القول قريب إلى الكفر وليس كما زعم بل هو الحق الحقيق بالقبول قل ادعوا شركاءكم أمر له صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يناصبهم المحاجة ويكرر عليهم البكيت بعد أن بين أن شركاءهم لا يقدرون على شيء أصلا أي أدعوا شركاءكم واستعينوا بهم علي ثم كيدون جميعا أنتم وشركاؤكم وبالغوا في ترتيب ما تقدرون عليه من مبادي المكر والكيد فلا تنظرون .
591 .
- فلا تمهلوني ساعة بعد ترتيب مقدمات الكيد فإني لا أبالي بكم أصلا وياء المتكلم في الفعلين مما لم يثبتوها خطا وقرأ أبو عمرو بإثبات ياء كيدون وصلا وحذفها وقفا وهشام بإثباتها في الحالين والباقون بحذفها فيهما وفي هود فكيدوني جميعا بإثبات الياء مطلقا عند الجميع وأما ياء 0 فلا تنظرون فقد قال الأجهوري : إنهم حذفوها لا غير إن ولي الله الذي نزل الكتاب تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق إنفهاما جليا وأل في الكتاب للعهد والمراد منه القرآن ووصفه سبحانه بتنزيل الكتاب للإشعار بدليل الولاية وكأنه وضع نزل الكتاب موضع أرسلني رسولا ولا شك أن الإرسال يقتضي الولاية والنصرة وقيل : إن في ذلك إشارة إلى علة أخرى لعدم المبالاة كأنه قيل : لا أبالي بكم وبشركائكم لأن وليي هو الله تعالى الذي نزل الكتاب الناطق بأنه ولي وناصري وبأن شركاءكم لايستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصركم وقوله سبحانه وتعالى : وهو يتولى الصالحين .
691 .
- تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي ومن عادته جل شأنه أن ينصر الصالحين من عباده ولا يخذلهم وقال الطيبي : إنما خص إسم الذات بتنزيل الكتاب وجعلت الآية تعليلا للدلالة على تفخيم أمر المنزل وأنه الفارق بين الحق والباطل وأنه المجلي لظلمات الشرك والمفحم لألسن أرباب البيان والمعجز الباقي في كل أوان وهو النور المبين والحبل المتين وبه أصلح الله تعالى شؤون رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث كمل به خلقه وأقام به أوده وأفسد به الأباطيل المعطلة ومن ثم جيء بقوله سبحانه وتعالى : وهو الخ كالتذييل والتقرير لما سبق والتعريض بمن فقد الصلاح بالخذلان والمحق والمعنى إن وليي الذي نزل الكتاب المشهور الذي تعرفون حقيقته ومثله