شديدا على فعلهم قالوا معذرة إلى ربكم أي نعظهم معذرة إليه تعالى وذلك أنا خلقنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر فنريد أن نقضي ما علينا ليظهر أنا ما تغيرنا عن أوصافنا ولعلهم يتقون لأنهم قابلون لذلك بحسب الفطرة فلا نيأس من تقواهم فلما نسوا ما ذكروا به لغلبة الشقوة عليهم أنجينا الذين ينهون عن السوء وهم الروح والقلب وأتباعهما فإنهم كلهم نهوا عن ذلك إلا أن بعضهم مل وبعضهم لم يمل وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس أي شديد وهو عذاب حرمان قبول الفيض بما كانوا يفسقون أي بسبب تماديهم الخروج عن الطاعة فلما عتوا عما نهوا عنه أي أبوا أن يتركوا ذلك قلنا لهم كونوا قردة خاسئين أي جعلنا طباعهم كطباعهم وذلك فوق حرمان قبول الفيض وإذ تأذن ربك أي أقسم ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة أي قيامتهم من يسومهم وهو التجلي الجلالي سوء العذاب وهو عذاب القهر وذل إتباع الشهوات وقطعناهم أي فرقنا بني إسرائيل الروح في الأرض أي أرض البدن أمما جماعات منهم الصالحون أي الكاملون في الصلاح كالعقل ومنهم دون ذلك فيه كالقلب ومن جعل القلب أكمل من العقل عكس الأمر وبلوناهم بالحسنات والسيآت تجليات الجمال والجلال لعلهم يرجعون بالفناء إلينا فخلف من بعدهم خلف وهي النفس وقواها ورثوا الكتاب وهو ما ألهم الله تعالى العقل والقلب يأخذون عرض هذا الأدنى وهي الشهوات الدنية واللذات الفانية ويجعلون ما ورثوه ذريعة إلى أخذ ذلك ويقولون سيغفر لنا ولا بد لأنا واصلون كاملون وهذا حال كثير من متصوفة زماننا فإنهم يتهافتون على الشهوات تهافت الفراش على النار ويقولون : إن ذلك لا يضرنا لأنا واصلون .
وحكي عن بعضهم أنه يأكل الحرام الصرف ويقول : إن النفي والإثبات يدفع ضرره وهو خطأ فاحش وضلال بين أعاذنا الله تعالى وإياكم من ذلك وأعظم منه إعتقاد حل أكل مثل الميتة من غير عذر شرعي لأحدهم ويقول : كل منا بحر والبحر لا ينجس ولا يدري هذا الضال أن من يعتقد ذلك أنجس من الكلب والخنزير ومنهم يحكي عن بعض الكاملين المكملين من أهل الله تعالى ما يؤيد به دعواه وهو كذب لا أصل له وحاشا ذلك الكامل مما نسب إليه حاشا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه أي أنهم مصرون على هذا الفعل القبيح ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الوارد فيما ألهمه الله تعالى العقل والقلب أن لا يقولوا على الله إلا الحق فكيف عدلوا عنه ودرسوا ما فيه مما فيه رشادهم والدار الآخرة المشتملة على اللذات الروحانية خير للذين يتقون عرض هذا الأدنى والذين يمسكون بالكتاب أي يتمسكون بما ألهمه الله تعالى العقل والقلب من الحكم والمعارف وأقاموا الصلاة ولم يألوا جهدا في الطاعة إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم وأجرهم متفاوت حسب تفاوت الصلاح حتى إنه ليصل إلى ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر وإذ نتقنا الجبل فوقهم وهو جبل الأمر الرباني والقهر الإلهي كأنه ظلة غمامة عظيمة وظنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام الله سبحانه خذوا ماآتيناكم بقوة بجد وعزيمة واذكروا ما فيه من الأسرار ولعلكم تتقون تنتظمون في سلك المتقين على إختلاف مراتب تقواهم .
والكلام على قوله سبحانه : وإذ أخذ ربك الخ من هذا الباب يغني عنه ما ذكرناه خلال تفسيره من كلام أهل الله تعالى قدس الله تعالى أسرارهم خلا أنه ذكر بعضهم أن أول ذرة أجابت ببلى ذرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا