وكافرهم قبل هذه النشأة بما هو أهم الأمور والأصل الأصيل لجميع التكليفات على وجه خال مما يشبه الإكراه متضمن لإلزام المشركين المعصرين له صلى الله تعالى عليه وسلم ورفع إحتجاجهم ما كانوا بعد الإشارة إلى أخذ ميثاق من قوم مخصوصين في هذه النشأة على وجه هو أشبه الأشياء بالإكراه بما الظاهر فيه أنه من الأعمال لأن القوم إذ ذاك كانوا مقرين بالربوبية بل بها وبرسالة موسى عليه السلام فلم يكن حاجة إلى نتق الجبل فوقهم لذلك ولو قال قائل : إن ذكر ذلك خلال الآيات المتعلقة باليهود من باب الإستطراد والمناسبة فيه ظاهرة لم يبعد لكن الأول وهو الذي جرى عليه أكثر متأخري المفسرين أي واذكر لهم أو للناس إذ أخذ ربك من بني آدم المراد بهم الذين ولد لهم مؤمنين كانوا أو كفارا نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب وتخصيصهم بأسلاف اليهود الذين أشركوا بالله تعالى حيث قالوا مما لايكاد يلتفت إليه .
وإيثار الأخذ على الإخراج للإيذان بشأن المأخوذ إذ ذاك لما فيه من الأنباء عن الأجتباء والإصطفاء وهو السبب في إسناده إلى إسم الرب بطريق الإلتفات مع ما فيه من التمهيد للإستفهام الآتي وإضافته إلى ضميره E للتشريف وقيل : إن إيثار الأخذ على الإخراج لمناسبة ما تضمنته الآية من الميثاق فإن الذي يناسبه هو الأخذ دون الإخراج والتعبير بالرب لما أن ذلك الأخذ بإعتبار ما يتبعه من آثار الربوبية وإستأنس بعضهم بمغايرة أسلوب هذا الكلام بما فيه من الإلتفات لما قبله من قوله سبحانه وتعالى : وإذ نتقنا ولما عبده من قوله تعالى : واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا لكونه استطراديا وقوله تعالى : من ظهورهم بدل من بني آدم بدل البعض من الكل بتكرير الجار كما في قوله سبحانه وتعالى : للذين استضعفوا لمن آمن وقيل : بدل إشتمال وإليه ذهب أبو البقاء وبينه بعضهم بأن بدل الإشتمال ما يكون بينه وبين المبدل منه ملابسة بحيث توجب النسبة إلى المتبوع النسبة إلى التابع إجمالا نحو أعجبني زيد علمه فإنه يعلم ابتد أن زيدا معجب بإعتبار صفاته لا بإعتبار ذاته وتتضمن نسبة الإعجاب إليه نسبته إلى صفة من صفاته إجمالا ونسبة الأخذ الذي هو بمعنى الإخراج هنا إلى بني آدم نسبة إلى ظهورهم إجمالا لأنه يعلم ابتداء أن بني آدم ليسوا مأخوذين بإعتبار ذواتهم بل بإعتبار أجسادهم وأعضائهم وتتضمن نسبة الأخذ إليهم نسبته إلى أعضائهم إجمالا وادعى أن القول به أولى من القول ببدل البعض لأن النسبة إلى المبدل منه الكل تكون تامة وتحصل بها الفائدة بدون ذكر البدل نحو أكلت الرغيف نصفه فإن النسبة تامة لو لم يذكر النصف ولا شك أن النسبة هنا ليست تامة بدون ذكر البدل وأيضا أن الظهور ليس بعض بني آدم حقيقة بل بعض أعضائهم ولا يخفى ما في ذلك من النظر و من في الموضعين إبتدائية وفيه مزيد تقرير لإبتنائه على البيان بعد الإبهام والتفصيل غب الإجمال قيل : وتنبيه على أن الميثاق قد أخذ منهم وهم في أصلاب الآباء ولم يستودعوا في أرحام الأمهات وقوله تعالى : ذريتهم مفعول أخذ أخر عن المفعول بواسطة الجار لإشتماله على ضمير راجع إليه فيلزم بالتقديم رجوع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة وهو لايجوز إلا في مواضع ليس هذا منها ولمراعاة اصالته ومنشئيته ولما مر غير مرة من التشويق إلى المؤخر وقرأ نافع وأبو عمر وابن عامر ويعقوب ذرياتهم والمراد أولادهم على العموم ومن خص بني آدم بأسلاف اليهود على ما مر خص هذا بأخلافهم وفيه ما فيه والإشكال المشهور هو أن كل الناس يصدق عليه بنو آدم وذريته فيتحد المخرج والمخرج منه مدفوع بظهور أن المراد إخراج