وقال الواحدي : هما متقاربان فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت فعلى هذا كان موسى عليه السلام غضبان على قومه بإتخاذهم العجل حزينا لأن الله تعالى فتنهم وقد أخبره سبحانه بذلك قبل رجوعه ونصب الوصفين على أنهما حالان مترادفان أو متداخلان بأن يكون الثاني حالا من الضمير المستتر في الأول وجوز أبو البقاء أن يكون بدلا من الحال الأولى وهو بدل كل لا بعض كما توهم .
قال بئسما خلفتموني من بعدي خطاب إما لعبدة العجل وإما لهارون عليه السلام ومن معه من المؤمنين أي بئسما فعلتم بعد غيبتي حيث عبدتم العجل بعدما رأيتم مني من توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه سبحانه وإخلاص العبادة له جل جلاله أو بئسما قمتم مقامي حيث لم تراعوا عهدي ولم تكفوا العبدة عما فعلوا بعدما رأيتم مني من حملهم على التوحيد وكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حيث قالوا أجعل لنا إلها كما لهم آلهة .
وجوز أن يكون على الخطاب للفريقين على أن المراد بالخلافة الخلافة فيما يعم الأمرين اللذين أشير إليهما ولا تكرار في ذكر من بعدي بعد خلفتموني لأن المراد من بعد ولايتي وقيامي بما كنت أقوم إذ بعديته على الحقيقة إنما تكون على ما قيل بعد فراقه الدنيا وقيل : إن من بعدي تأكيد من باب رأيته بعيني وفائدته تصوير نيابة المستخلف ومزاولة سيرته كما أن هنالك تصوير الرؤية وما يتصل بها و ما نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف أي بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم والذم فيما إذا كان الخطاب لهارون عليه السلام ومن معه من المؤمنين ليس للخلافة نفسها بل لعدم الجري على مقتضاها وأما إذا كان للسامري وأشياعه فالأمر ظاهر أعجلتم أمر ربكم أي أعجلتم عما أمركم به ربكم وهو إنتظار موسى عليه السلام حال كونهم حافظين لعهده وما وصاهم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم روي أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال : إن هذا إلهكم وإله موسى إن موسى لن يرجع وإنه قد مات وروي أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا والمعروف تعدى عجل بعن لا بنفسه فيقال : عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره وضمنوه هنا معنى السبق وهو كناية عن الترك فتعدى تعديته ولم يضمن إبتداء معنى الترك لخفاء المناسبة بينهما وعدم حسنها وذهب يعقوب إلى أن السبق معنى حقيقي له من غير تضمين والأمر واحد الأوامر وعن الحسن أن المعنى أعجلتم وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين فالأمر عليه واحد الأمور والمراد بهذه الأربعين على ماذكره الطيبي غير الأربعين التي أشار الله تعالى إليها بقوله سبحانه : فتم ميقات ربه أربعين ليلة وسيأتي تتمة الكلام في ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .
وألقى الألواح أي وضعها على الأرض كالطارح لها ليأخذ برأس أخيه مما عراه من فرط الغيرة الدينية وكان عليه السلام شديد الغضب لله سبحانه فقد أخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم أنه عليه السلام كان إذا غضب إشتعلت قلنسوته نارا وقال القاضي ناصر الدين : أي طرحها من شدة الغضب وفرط الضجرة حمية للدين ثم نقل أنه انكسر بعضها حين ألقاها واعترض عليه أفضل المتأخرين شيخ مشايخنا صبغة الله أفندي الحيدري بأن الحمية للدين إنما تقتضي إحترام كتاب الله تعالى وحمايته أن يلحق به نقص أو هوان بحيث