خرشة وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دما المسلمين شيء لايهراق ببقعة من الأرض مثله فقال قيس : ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي إستأثر الله تعالى به فقال كعب : مامن الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى مايكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة ظاهر في أن كل شيء أعم مما ذكر ولعل ذكر ذلك من باب الرمز كما ندعيه في القرآن موعظة وتفصيلا لكل شيء بدل من الجار والمجرور أي كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام وإلى هذا ذهب غير واحد من المعربين وهو مشعر بأن من مزيدة لا تبعيضية وفي زيادتها في الإثبات كلام قيل : ولم تجعل إبتدائية حالا من موعظة وموعظة مفعول به لأنه ليس له كبير معنى ولم تجعل موعظة مفعول له وإن إستوفى شرائطه لأن الظاهر عطف تفصيلا عن موعظة وظاهر أنه لامعنى لقولك كتبنا له من كل شيء لتفصيل كل شيء وأما جعله عطفا على محل الجار والمجرور فبعيد من جهة اللفظ والمعنى .
والطيبي اختار هذا العظف وأن من تبعيضية وموعظة وحدها بدل والمعنى كتبنا بعض كل شيء في الألواح من نحو السور والآيات وغيرهما موعظة وكتبنا فيها تفصيل كل شيء يحتاجون إليه من الحلال والحرام ونحو ذلك وفي ذلك إختصاص الإجمال والتفصيل بالموعظة للإيذان بأن الإهتمام بها أشد والعناية بها أتم ولكونها كذلك كثر مدح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالبشير النذير وإشعار بأن الموعظة مما يجب أن يرجع إليه في كل أمر يذكر به ألا يرى إلى أن أكثر الفواصل التنزيلية والردود على هذا النمط نحو أفلا تتقونأفلا تتذكرون وإلى سورة الرحمن كيف أعيد فيها ماأعيد وذلك ليستأنف السامع به ادكارا واتعاظا ويجدد تنبيها واستيقاظا وأنت تعلم أن البعد الذي أشرنا إليه باق على حاله وقوله سبحانه : لكل شيء إما متعلق بما عنده أو بمحذوف كما قال السمين وقع صفة له واختلف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها وكاتبها فقيل كانت عشرة ألواح وقيل : سبعة وقيل : لوحين قال الزجاج : ويجوز أن يقال في اللغة للوحين ألواح وأنها كانت من زمرد أخضر أمر الرب تعالى جبريل عليه السلام فجاء بها من عدن وروي ذلك عن مجاهد وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : أخبرت أن الألواح كانت من زبرجد وعن سعيد بن جبير قال : كانوا يقولون إنها كانت من ياقوتة وأنا أقول : إنها كانت من زمرد وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعا وعن الحسن أنها كانت من خشب نزلت من السماء وأن طول كل عشرة أذرع وقيل : أمر الله تعالى موسى عليه السلام بقطعها من صخرة صماء لينها له فقطعها بيده وسقفها بأصابعه ولا يخفى أن أمثال هذا يحتاج إلى النقل الصحيح وإلا فالسكوت أولى إذ ليس في الآية ما يدل عليه والمختار عندي أنها من خشب السدر إن صح السند إلى سلسلة الذهب والمشهور عن ابن جريج أن كاتبها جبريل عليه السلام كتبها بالقلم الذي كتب به الذكر والمروي عن علي كرم الله تعالى وجهه ومجاهد وعطاء وعكرمة وخلق كثير أن الله تعالى كتبها بيده وجاء أنها كتبت وموسى عليه السلام يسمع صريف الأقلام التي كتبت بها وهو المأثور عن الأمير كرم الله تعالى وجهه وجاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : خلق الله تعالى آدم بيده وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده ثم