بنور ربها وطفيء المصباح إذ طلع الصباح وصدح هزار الأنس في رياض القدس بنغم ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسيم إذا سرى وأباح طرفي نظرة أملتها فغدوت معروفا وكنت منكرا فدهشت بين جماله وجلاله وغدا لسان الحال عني مخبرا هذا والكلام في الرؤية طويل وقد تكفل علم الكلام بتحقيق ذلك على الوجه الأكمل والذي علينا إنما هو كشف القناع عما يتعلق بالآية والذي نظنه أنا قد أدينا الواجب ويكفي من القلادة ماأحاط بالجيد والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل قال ياموسى إستئناف مسوق لتسليته عليه السلام من عدم الإجابة إلى سؤاله على مااقتضته الحكمة كأنه قيل : إن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما أعطيتك فاغتنمه وثابر على شكره إني اصطفيتك أي اخترتك وهو افتعال من الصفوة بمعنى الخيار والتأكيد للإعتناء بشأن الخبر على الناس الموجودين في زمانك وهذا كما فضل قومه على عالمي زمانهم في قوله سبحانه : يابني إسرئيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليك وأني فضلتكم على العالمين برسالاتي أي بأسفار التوراة وقرأ أهل الحجاز وروح برسالتي وبكلامي أي بتكليمي إياك بغير واسطة أو الكلام على حذف مضاف أي بإسماع كلامي والمراد فضلتك بمجموع هذين الأمرين فلا يرد هارون عليه السلام لأنه لم يكن كليما على أن رسالته كانت تبعية أيضا وكان مأمور بإتباع موسى عليه السلام وكذلك لايرد السبعون الذين كانوا معه عليه السلام في هذا المقيات في قول لأنهم وإن سمعوا الخطاب إلا أنهم ليس لهم من الرسالة شيء على أن المقصود بالتكليم الموجه إليه الخطاب هو موسى عليه السلام دونهم وبتخصيص الناس بما علمت خرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلا يرد أن مجموع الرسالة والتكليم بغير واسطة وجد له E أيضا على الصحيح على أن لو قلنا التكليم بغير واسطة مخصوص به عليه السلام من بين الأنبياء صلى الله تعالى عليه وسلم لايلزم منه تفضيله من كل الوجوه على غيره كنبينا E فقد يوجد في الفاضل ما لا يوجد في الأفضل وإنما كان الكلام بلا واسطة سببا للشرف بناء على العرف الظاهر وقد قالوا شتان بين من اتخذه الملك لنفسه حبيبا وقربه إليه بلطفه تقريبا وبين من ضرب له الحجاب وحال بينه وبين المقصود بواب ونواب على أن من ذاق طعم المحبة ولو بطرف اللسان يعلم ما في تكليم المحبوب بغير واسطة من اللطف العظيم والبر الجسيم وكلامه جل شأنه لموسى عليه السلام في ذلك الميقات كثير على ما دلت عليه الآثار وقد سبق لك ما يدل على كميته من حديث أبي هريرة وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى وسلم قال : إن الله تعالى شأنه ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام فلما سمع كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عزوجل فكان فيما ناجاه أن قال : ياموسى إنه لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ولم يتعبد المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي فقال موسى : يارب وإله البرية كلها ويا مالك يوم الدين وياذا الجلال والإكرام ماذا أعددت لهم وما جزيتهم