التي هو عليها حين السؤال من غير أن يعقبها صعق لأن قوله عزوجل : إنه لن يراني حي الخ لاينفي إلا الرؤية في الدنيا مع الحياة لا الرؤية مطلقا فمعنى لن تراني في الآية لن تراني وأنت باق على هذه الحالة لا لن تراني في الدنيا مطلقا فضلا عن أن يكون المعنى لن تراني مطلقا لا في الدنيا ولا في الآخرة نعم إن هذا الحديث مخصص بما صح مرفوعا وموقوفا أنه صلى الله عليه وسلّم رأى ربه ليلة الإسراء مع عدم الصعق ولعل الحكمة في اختصاصه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك أن نشأته E أكمل نشأة وأعدلها صورة ومعنى لجامعيته صلى الله تعالى عليه وسلم للحقائق على وجه الإعتدال وهي فيه متجاذبة ومقتضى ذلك الثبات بإذن الله تعالى ومع ذلك فلم يقع له التجلي إلا في دار البقاء فاجتمع مقتضى الموطن مع مقتضى كمال إعتدال النشأة وقد يقال أيضا على سبيل التنزل : لو سلمنا دلالة لن على التأبيد مطلقا لكان غاية ذلك إنتفاء وقوع الرؤية ولا يلزم منه إنتفاء الجواز والمعتزلة يزعمون ذلك وقولهم : قوله عليه السلام تبت إليك يدل على كونه مخطئا ليس بشيء لأن التوبة قد تطلق بمعنى الرجوع وأن لم يتقدمها ذنب وعلى هذا فلا يبعد أن يكون المراد من تبت إليك أي رجعت إليك عن طلب الرؤية .
وذكر ابن المنير أن تسبيح موسى عليه السلام لما تبين له من أن العلم قد سبق بعدم وقوع الرؤية في الدنيا والله تعالى مقدس عن وقوع خلاف معلومه وأما التوبة في حق الأنبياء عليهم السلام فلا يلزم أن تكون عن ذنب لأن منزلتهم العلية تصان عن كل مايحط عن مرتبة الكمال وكان عليه السلام نظرا إلى علو شأنه أن يتوقف في سؤال الرؤية على الأذن فحيث سأل من غير إذن كان تاركا الأولى بالنسبة إليه وقد ورد حسنات الأبرار سيئات المقربين وذكر الإمام الرازي نحو ذلك وقال الآمدي : إن التوبة وإن كانت تستدعي سابقية الذنب إلا أنه ليس هناك مايدل قطعا على أن الذنب في سؤاله بل جاز أن تكون التوبة عما تقدم قبل السؤال مما يعده هو عليه السلام ذنبا والداعي لذلك مارأى من الأهوال العظيمة من تدكدك الجبل على ماهو عادة المؤمنين الصلحاء من تجديد التوبة عما سلف إذا رأوا آية وأمرا مهولا وذكر أن قوله عليه السلام : وأنا أول المؤمنين ليس المراد منه إبتداء الإيمان في تلك الحالة بل المراد به إضافة الأولية إليه لا إلى الإيمان ولعل المراد من ذلك الإخبار الإستعطاف لقبول توبته عليه السلام عما هو ذنب عنده وأراد بالمؤمنين قومه على ماروي عن مجاهد وما يشير إليه كلام الزمخشري من أن الآية أبلغ دليل على عدم إمكان الرؤية لايخفى ما فيه على من أحاط خبرا بما ذكرناه ومن المحققين من إستند في دلالة الآية على إمكانها بغير ما تقدم أيضا وهو أنه تعالى أحال إنتفاء الرؤية على عجز الرائي وضعفه عنها حيث قال له : لن تراني ولو كانت رؤيته تعالى غير جائزة لكان الجواب لست بمرئي ألا ترى لو قال : أرني أنظر إلى صورتك ومكانك لم يحسن في الجواب أن يقال لن ترى صورتي ولا مكاني بل الحسن لست بذي صورة ولا مكان وقال بعضهم بعد أن بين كون الآية دليلا على أن الرؤية جائزة في الجملة ببعض ما تقدم : ولذلك رده سبحانه بقوله : لن تراني دون لن أرى ولن أريك ولن تنظر إلى تنبيها على أنه عليه السلام قاصر عن رؤيته تعالى لتوقفها على معد في الرائي ولم يوجد فيه بعد وذلك لأن لن أرى يدل على إمتناع الرؤية مطلقا ولن أريك يقتضي أن المانع من جهته تعالى وليس في لن تنظر تنبيه على المقصود لأن النظر