في سورة الأنعام بالفتح ماأريد بالحسنة ههنا فلا يتوهم الإشكال انتهى وأنت خبير بأن إرادة آمنوا من أول الأمر إلى آخره غير ظاهرة بل الظاهر أنهم لو أنهم آمنوا بعد أن ابتلوا ليسرنا عليهم ما يسرنا مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء كأمطار الحجارة وبعضها من الأرض كالرجفة وبهذا ينحل الإشكال لأن آية الأنعام لاتدل على أنه فتح لهم هذا الفتح كما هو ظاهر لتاليها وماذكر من أن المراد بالفتح هناك ماأريد بالحسنة ههنا إن كان المراد به أن الفتح هناك واقع موقع إعطاء الحسنة بدل السيئة هنا حيث كان ذكر كل منهما بعد ذكر الأخذ بالبأساء والضراء وبعده الأخذ بغتة فربما يكون له وجه لكنه وحده لايجدي نفعا وإن كان المراد به أن مدلول ذلك العام المراد به التكثير هو مدلول الحسنة فلا يخفى مافيه فتدبر وقيل : المراد بالبركات السماوية والأرضية الأشياء التي تحمد عواقبها ويسعد في الدارين صاحبها وقد جاءت البركة بمعنى السعادة في كلامهم فلتحمل هنا على الكامل من ذلك الجنس ولا يفتح ذلك إلا للمؤمن بخلاف نحو المطر والنبات والصحة والعافية فإنه يفتح له وللكافر أيضا استدراجا ومكرا ويتعين هذا الحمل على ماقيل إذا أريد من القرى ما يتناول قرى أرسل إليها قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها وقيل : البركات السماوية إجابة الدعاء والأرضية قضاء الحوائج فليفهم .
وقرأ ابن عامر لفتحنا بالتشديد ولكن كذبوا أي ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا وقد اكتفى بذكر الأول لأستلزامه الثاني وللإشارة إلى أنه أعظم الأمرين فأخذناهم بما كانوا يكسبون من أنواع الكفر والمعاصي التي من جملتها قولهم السابق والظاهر أن هذا الأخذ والمتقدم في قوله سبحانه : فأخذناهم وهم لايشعرون واحد وليس عبارة عن الجدب والقحط كما قيل : لأنهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السيئة وحمل أحد الأخذين على الأخذ الأخروي والآخر على الدنيوي بعيد ومن ذهب إلى حمل أل على الجنس على الوجه الأخير فيه يلزمه أن يحمل كذبوا فأخذناهم على وقوع التكذيب والأخذ فيما بينهم ولا يخفى بعده أفأمن أهل القرى الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وقيل : لإنكار الوقوع ونفيه وتعقب بأن فلا يأمن مكر الله الخ يأباه والفاء للتعقيب مع السبب والمراد بأهل القرى قيل : أهل القرى المذكورة على وضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن مدار التوبيخ أمن كل طائفة ماأتاهم من البأس لاأمن مجموع الأمم وقيل : المراد بهم أهل مكة وما حواليها ممن بعث إليه نبينا صلى الله تعالى عليه وسم وهو الأولى عندي وإلى ذلك ذهب محيي السنة والعطف على القولين على فأخذناهم بغتة لا على محذوف ويقدر بما يناسب المقام كما وقع نحو ذلك في القرآن كثيرا وأمر صدارة الإستفهام سهل وقوله سبحانه : ولو أن أهل القرى آمنوا الخ إعتراض توسط بينهما للمسارعة إلى بيان أن الأخذ المذكور مما كسبته أيديهم نظرا للأول ولأنه يؤيد ماذكر من أن الأخذ بغتة ترتب على الإيمان والتقوى ولو عكس لأنعكس الأمر نظرا للثاني ولو جعلت اللام فيما تقدم للجنس أكد هذا الإعتراض المعطوف والمعطوف عليها وشملهما شمولا سواء على مافي الكشف ولم يجعل العطف على فأخذناهم الأقرب لأنه لم يسبق لبيان القرى وقصة هلاكها قصدا كالذي قبله فكان العطف عليه دونه أنسب وهذا إذا أريد بالقرى القرى المدلول عليها بما سبق وأما إذا أريد بها