نظيره بيد أن هذا القول يحتمل أن يكون تأنيبا وتوبيخا لهم وقوله سبحانه : فكيف ءاسى على قوم كافرين .
39 .
- إنكارا لمضمونه أي لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بكم فلم تسمعوا قولي ولم تصدقوني فكيف آسى أي لاآسى عليكم لأنكم لستم أحقاء بالأسى وهو الحزن كما في الصحاح والقاموس أو شدة الحزن كما في الكشاف ومجمع البيان ويحتمل أن يكون تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم وقوله سبحانه : فكيف الخ إنكارا على نفسه لذلك وفيه تجريد والتفات على ماقيل حيث جرد عليه السلام من نفسه شخصا وأنكر عليه حزنه على قوم لايستحقونه والتفت على الخطاب إلى التكلم وذكر بعض المحققين أن الظاهر أنه ليس من الإلتفات والتجريد في شيء فإن قال يقتضى صيغة التكلم وهي تنافي التجريد وإنما هو نوع من البديع يسمى الرجوع وهو العود على الكلام السابق بالنقض لأنه إذا كان قد أبلغتكم تأسفا ينافي مابعده فكأنه بدا له ورجع عن التأسف منكرا لفعله الأول وقد جاء ذلك كثيرا في كلامهم ومن ذلك قول زهير : قف بالديار التي لم تعفها القدم بلى وغيرها الأرواح والديم والنكتة فيه الإشعار بالتوله والذهول من شدة الحيرة لعظم الأمر بحيث لايفرق بين ماهو كالمتناقض من الكلام وغيره وابن حجة لا يفرق بين هذا النوع ونوع السلب والإيجاب وكأن منشأ ذلك اعتماده في النوع الأخير على تعريف أبي هلال العسكري له ولو اعتمد على تعريف إمام الصناعة ابن أبي الأصبع لما اشتبه عليه الفرق وعلى الإحتمالين في قوله سبحانه : على قوم الخ إقامة الظاهر مقام الضمير للإشعار بعدم استحقاقهم التأسف عليهم لكفرهم وقرأ يحيى بن وثاب فكيف ايسى بكسر الهمزة وقلب الألف ياء على لغة من يكسر حرف المضارعة كقوله : قعيدك أن لاتسمعيني ملامة ولا تنكئى جرح الفؤاد فييجعا وإمالة الألف الثانية هذا ثم إن شعيبا عليه السلام بعد هلاك من أرسل إليهم نزل مع المؤمنين به بمكة حتى ماتوا هناك وقبورهم على ماروي عن وهب بن منبه في غربي الكعبة بين دار الندوة وباب سهم وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام أما قبر إسماعيل ففي الحجر وأما قبر شعيب فمقابل الحجر الأسود وروي عنه أيضا أنه عليه السلام كان يقرأ الكتب التي كان الله تعالى أنزلها على إبراهيم عليه السلام ومن الغريب مانقل الشهاب أن شعيبا إثنان وأن صهر موسى عليهما الصلاة والسلام من قبيلة من العرب تسمى عنزة وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وبينه وبين من تقدم دهر طويل فتبصر والله تعالى أعلم .
وما أرسلنا في قرية من نبي إشارة إجمالية إلى بيان أحوال سائر الأمم المذكورة تفصيلا وفيه تخويف لقريش وتحذير ومن سيف خطيب جيء بها لتأكيد النفي وفي الكلام حذف صفة نبي أي كذب أو كذبه أهلها إلا أخذنا أهلها إستثناء مفرغ من أعم الأحوال وأخذنا في موضع نصب على الحال من فاعل أرسلنا وفي الرضى أن الماضي الواقع حالا إذا كان بعد إلا فاكتفاؤه بالضمير من دون الواو وقد كثر نحو ما لقيته إلا أكرمني لأن دخول إلا في الأغلب الاكثر على الاسم فهو بتأويل إلا مكرما لي فصار كالمضارع المثبت وما في هذه الآية من هذا القبيل وقد يجيء مع الواو وقد نحو ما لقيته إلا وقد أكرمني ومع الواو وحدها