ولا كتاب بعدها يبدلها وينسخ أحكامها وعيسى عليه السلام يعمل بعد النزول بها لا ينسخ شيئا كما حقق في محله .
وقيل : المراد إن أحكام الله تعالى لا تقبل التبدل والزوال لأنها أزلية والأزلي لا يزول وزعم الامام أن الآية على هذا أحد الأصول القوية في إثبات الجبر لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسعادة وعلى عمرو بالشقاوة ثم قال : لا مبدل لكلماته يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقيا والشقي سعيدا فالسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه وأنا أقول لا يخفى أنالشقي في العلم لا يكون سعيدا والسعيد فيه لا يكون شقيا أصلا لأن العلم لا يتعلق إلا بما المعلوم عليه في نفسه وحكمه سبحانه تابع لذلك العلم وكذا إيجاده الأشياء على طبق ذلك العلم ولا يتصور هناك جبر بوجه من الوجوه لأنه عز شأنه لم يفض على القوابل إلا ما طلبته منه جل وعلا بلسان استعدادها كما يشير اليه وقله سبحانه : أعطى كل شيء خلقه نعم يتصور الجبر لو طلبت القوابل شيئا وافاض عليها شأنه ضده سبحانه أجل وأعلى من ذلك وهو السميع لكل ما يتعلق به السميع العليم .
511 .
- بكل ما يمكن أن يعلم فيدخل في ذلك أقوال المتحاكمين وأحوالهم الظأهرة والباطنة دخولا أوليا .
ثم أنه تعالى على ما ذكر الامام لما أجاب عن شبهات الكفار وبين الدليل صحة النبوة أرشد إلى أنه بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال فقال سبحانه : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقال شيخ الاسلام : إنه لما تحقق اختصاصه تعالى بالحكمية لاستقلاله بما يوجب ذلك من انزال الكتاب الفاصل بين الحق والباطل وتمام صدق كلامه وكمال عدله في احكامه وامتناع وجود من يبدل شيئا منها واستبداده سبحانه بالاحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات عقب ذلك ببيان أن الكفرة متصفون بنقائص تلك الكمالات من النقائص التي هي الضلال والاضلال واتباع الظنون الفاسدة الناشيء من الجهل والكذب على الله تعالى إبانة الكلام مباينة حالهم لما يرمونه وتحذيرا عن الركون اليهم والعمل بآرائهم فقال سبحانه ما قال ويحتمل أن يكون هذا من بابالارشاد إلى اتباع القرآن والتمسك به بعد بيان كماله على أكمل وجه خطاب له صلى الله تعالى عليه وسلم ولامته .
وقيل : خوطب E وأريد غيره والمراد بمن في الأرض الناس وبأكثرهم الكفار وقيل : ما يعمهم وغيرهم من الجهال واتباع الهوى وقيل : أهل مكة والارض أرضها واكثر أهلها كانوا حينئذ كفارا .
ومن الناس من زعم أن هذا نهي في المعنى عن متابعة غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ هم والكرام قليل أقل الناس عددا وقد قال سبحانه فبهداهم أقتده وهو كما ترى ومثله احتمال أنه نهي عن متابعة غير الله سبحانه لأنه لو أطيع أكثر من في الأرض لأضلوا فضلا عن اطاعة قليل أو واحد منهم والمعنى ان تطع أحدا من الكفار بمخالفة ما شرع لك وأودعه كلماته المنزلة من عنده اليك يضلوك عن الحق أو أن تطع الكفار بأن جعلت منهم حكما يضلوك عن الطريق الموصل اليه أو عن الشريعة التي شرعها لعباده إن يتبعون أي ما يتبعون فيما هم عليه من الشرك والضلال إلا الظن وإن الظن فيما يتعلق بالله تعالى لا يغني من الحق شيئا ولا يكفي هناك إلا العلم وأنى لهم به وهذا بخلاف سائر الأحكام وأسبابها مثلا فانه لا يشترط فيها العلم وإلا لفات معظم المصالح الدنيوية والأخروية والفرق بينهما على ما قاله العز بن عبد السلام في