ولكن ذكرى استدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم أن يذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير ويظهروا لهم الكراهة والنكير ومحل ذكرى عند كثير من المحققين إا النصب على أنه مصدر مؤكذ للفعل المحذوف أي عليهم أن يذكروهم تذكيرا أو الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي ولكن عليهم ذكرى وجوز أبو البقاء النصب والرفع أيضا لكن قدر في الأول نذكرهم ذكرى بنون العظمة وفي الثاني هذه ذكرى وإلى ذلك يشير كلام البلخي ولم يجوز الزمخشري عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه إذ يصير المعنى ولكن ذكرى من حسابهم وهو كما ترى .
واعترض بأنه لا يلزم من العطف على مقيد اعتبار ذلك القيد في المعطوف والعلامة الثاني يقول : إنه إذا عطف مفرد على مفرد لاسيما بحرف الاستدراك فالقيود المعتبرة في المعطوف عليه السابقة في الذكرى عليه معتبرة في المعطوف البتة بحكم الاستعمال تقول : ما جاءني يوم الجمعة او في الدار أو راكبا أو من هؤلاء القوم رجل ولكن امرأة فيلزم مجيء المرأة في يوم الجمعة وفي الدار وبصفة الركوب وتكون من القوم البتة ولم يجيء الاستعمال بخلافه ولا يفهم من الكلام سواه بخلاف ما جاءني رجل من العرب ولكن امرأة فانه لا يبعد كون المرأة من غير العرب قالوا : والسر فيه أن تقدم القيود يدل على أنها أمر مسلم مفروغ عنه وأنها قيد للعامل منسحب على جميع معمولاته وان هذه القاعدة مخصوصة بالمفرد لدلك وأما في الجمل فالقيد إن جعل جزأ من المعطوف عليه وإن سبق لم يشاركه فيه المعطوف كما في قوله تعالى إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون على مافي شرح المفتاح وهذا إذا لم تقم القرينة على خلافه كما في قولك : جاءني من تميم رجل وامرأة من قريش .
وتخصيص هذه القاعدة بتقدم القيد وادعاء اطرادها كما ذكره بعض المحققين مما يقتضيه الذوق ومنهم من عمها كما قال الحلبي : إن أهل اللسان والأصوليين يقولون : إن العطف للتشريك في الظاهر فإذا كان في المعطوف عليه قيد فالظاهر تقييد المعطوف بذلك القيد إلا أن تجيء قرينة صارفة فيحال الأمر عليها فاذا قلت : ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا فالظاهر اشتراك زيد وعمرو في الضرب مقيدا بيوم الجمعة وإذا قامت : وعمرا يوم السبت لم يشاركه في قيده والآية من القبيل الأول فالظاهر مشاركته في قيده ويكفي في المنع وبحث في السفاقسي وغيره فتدبر .
ومن منع العطف على محل من شيء لما تقدم منع العطف على شيء لذلك أيضا ولأن من لا تقدر عاملة بعد الاثابت لأنها إذا علمت كانت في قوة المذكورة المزيدة وهي لا تزاد في الاثابت في غير الظروف أو مطلقا عند الجمهور لعلهم يتقون .
96 .
- أي يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم وجوز أن يكون الضمير للذين يتقون أي لكن يذكر المتقون الخائضين ليثبت المتقون على تقواهم ولا يأثموا بترك ما وجب عليهم من النهي عن المنكر أو ليزدادوا تقوى بذلك وهذه الآية كما أخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابو الشيخ عن السدي وابن جبير منسوخة بقوله تعالى النازل في المدينة وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها الخ واليه ذهب البلخي والجبائي وفي الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ أن لا نسخ