أن القول مشترك معنى بين النفسي واللفظي وعين به المراد من فرديه فهو لنا لا علينا وأما رابعا فلأن ما ذكره في قوله تعالى : وأسروا الآية تحكم بحت لأن السر كما قال الزمخشري ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال ويساعده الكتاب والأثر واللغة كما لا يخفى على المتتبع وأما خامسا فلأن ما ذكره في بيت الأخطل خطل من وجوه أما أولا فعلى تقدير أن يكون المشهور البيان بدل الكلام يكفينا في البيان لأنه إما أسم مصدر بمعنى ما يبين به أو مصدر بمعنى التبيين وعلى الأول هو بمعنى الكلام ولا فرق بينهما إلا في اللفظ وعلى الثاني هو مستلزم للكلام النفسي بمعنى المتكلم به إن كان المراد به التبيين القلبي أعني ترتيب القلب للكلمات الذهنية على وجه إذا عبر عنها باللسان فهم غيره ما قصده منها وأما ثانيا فلأن قوله وبتقدير أن يكون إلخ إقرار بالكلام النفسي من غير شعور .
وأما ثالثا فلأن دعوى المجاز تحكم مع كون الأصل في الإطلاق الحقيقة وأما رباعا فلأن دعوى أن ذلك مبالغة من هذا الشاعر خلاف الواقع بل هو تحقيق من غير مبالغة كما يفهم مما سلف فما ذكره هذا الشاعر كلمة حكمة سواء نطق بها على بينة من الأمر أو كانت منه رمية من غير رام فإن معناه موجود في حديث أبي سعيد العينان دليلان والأذنان قمعان واللسان ترجمان إلى أن قالوالقلب ملك فإذا صلح الحديث وفي حديث أبي هريرة القلب ملك وله جنود إلى أن قالوا للسان ترجمان الحديث فما قيل إن هذا الشاعر نصراني عدو الله تعالى ورسوله فيجب أطراح كلام الله تعالى ورسوله تصحيحا لكلامه أو حمله على المجاز صيانة لكلمة هذا الشاعر عنه وأيضا يحتاجون إلى إثبات هذا الشعر والشهرة غير كافية فقد فتش إبن الخشاب دواوين الأخطل العتيقة فلم يجد فيها البيت إنتهى كلام أوهن وأوهى من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت أما أو لا فلأن كلام هذا العدو موافق لكلام الحبيب حتى لكلام المنكرين للكلام النفسي حيث أعترفوا به في عين إنكارهم وأما ثانيا فلأنا أغنانا الله تعالى ورسوله من فضله عن إثبات هذا الشعر وأما ثالثا فلأن عدم وجدان إبن الخشاب لا يدل على إنتفائه بالكلية كما لا يخفى والحاصل أن الناس أكثروا القال والقيل في حق هذا الشيخ الجليل وكل ذلك من باب وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم نعم البحث دقيق لا يرشد إليه إلا توفيق كم أسهر أناسا وأكثر وسواسا وأثار فتنة وأورث محنة وسجن أقواما وأم إماما مرام شط مرمى العقل فيه ودون مداه بيد لا تبيد ولكن بفضل الله تعالى قد أتينا فيه بلب اللباب وخلاصة ما ذكره الأصحاب وقد أندفع به كثير مما أشكل على الأقوام وخفى على إفهام ذوي الأفهام ولا حاجة معه إلى ما قاله المولى المرحوم غنى زاده في التخلص عن هاتيك الشبه مما نصه ثم أعلم أني بعدما حررت البحث بعثني فرط الإنصاف إلى أنه لاينبغي لذي الفطرة السليمة أن يدعي قدم اللفظ لإحتياجه إلى هذه التكلفات وكذا كون الكلام عبارة عن المعنى القديم لركاكة توصيف الذات به كيف ومعنى قصة نوح مثلا ليس بشيء يمكن إتصاف الذات به إلا بتمحل بعيد فالحق الذي لا محيد عنه هو أن المعاني كلها موجودة في العلم الأزلي بوجود علمي قديم لكن لما كان في ماهية بعضها داعية البروز في الخارج بوجود لفظي حادث حسبما يستدعيه حدوث فيما لا يزال أقتضى أزليا إبراز ذلك البعض في الخارج بذلك الوجود الحادث فيما لا يزال فهذا الإقتضاء صفة للذات هو بها في الأزل مسماة بالكلام