وقرىء ولا آمى البيت الحرام بالاضافة والبيت مفعول به لا ظرف ووجه عمل اسم الفاعل فيه ظاهر وقوله تعالى : يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا حال من المستكن فى آمين وجوز أن يكون صفة وضعف بأن اسم الفاعل الموصوف لايعمل لضعف شبهه بالفعل الذى عمل بالحمل عليه لأن الموصوفية تبعد الشبه بأنها من خواص الأسماء وأجيب بأن الوصف إنما يمنع من العمل إذا تقدم المعمول فلو تأخر لم يمنع لمجيئه بعد الفراغ من مقتضاه كما صرح به صاحب اللب وغيره وتنكير فضلا ورضوانا للتفخيم و من ربهم متعلق بنفس العمل أو بمحذوف وقع صفة لفضلا مغنية عن وصف ماعطف عليه بها أى فضلا كائنا من ربهم ورضوانا كذلك والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضميرهم لتشريفهم والاشعار بحصول مبتغاهم والمراد بهم المسلمون خاصة والآية محكمة .
وفى الجملة إشارة إلى تعليل النهى واستنكار النهى عنه كذا قيل واعترض بأن التعرض للمسلمين حرام مطلقا سواء كانوا آمين أم لا فلا وجه لتخصيصهم بالنهى عن الحلال ولذا قال الحسن وغيره : المراد بالآمين هم المشركون خاصة والمراد من الفضل حينئذ الربح فى تجارتهم ومن الرضوان ما فى زعمهم ويجوز إبقاء الفضل على ظاهره إذا أريد مافى الزعم أيضا لكنه لما أمكن حمله على ماهو فى نفس الأمر كان حمله عليه أولى يؤيد هذا القول إن الآية نزلت كما قال السدى وغيره فى رجل من بنى ربيعة يقال له الحطيم بن هند وذلك أنه أتى إلى النبى صلى الله عليه وسلّم وحده وخلف خيله خارج المدينة فقال : الىمه تدعو الناس فقال صلى الله تعالى عليه وسلم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال : حسن إلا أن لى أمرا لاأقطع أمرا دونهم ولعلى أسلم وآتى بهم وقد كان النبى A قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ثم خرج من عنده فلما خرج قال رسول الله A : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر وماالرجل بمسلم فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول : قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعى إبل ولاغنم ولابخوار على ظهر قطم باتوا نياما وابن هند لم ينم بات يقاسيها غلام كالزلم مدملج الساقين ممسوح القدم فطلبه المسلمون فعجزوا فلما خرج رسول الله A عام قضاء العمرة التى أحصر عنها تلبية حجاج اليمامة فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : ها الحطيم وأصحابه فدو نكموه وكان قلد مانهب من السرح وجعله هديا فلما توجهوا لذلك نزلت الآية الكريمة فكفوا وروى عن ابن زيد أنها نزلت يوم فتح مكة فى فوارس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة فقال المسلمون : يارسول الله هؤلاء المشركون مثل هؤلاء دعنا نغر عليهم فأنزل الله سبحانه الآية واختلف القائلون بأن المراد من الآمين المشركون فى النسخ وعدمه فعن ابن جريج أنه لانسخ لأنه يجوز أن يبتدىء المشركون فى الأشهر الحرم بالقتال وأنت تعلم أن الآية ليست نصا فى القتال على تقدير تسليم مافى حيز التعليم وقال أبو مسلم : إن الآية منسوخة بقوله تعالى : فلايقريبوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقيل : بآية السيف وقيل : بهما وقيل : لم ينسخ من هذه الآية إلا القلائد وروى ذلك عن ابن أبى نجيح عن مجاهد وادعى بعضهم أن المراد بالآمين مايعم المسلمين والمشركين وخصوص السبب لايمنع عموم اللفظ والنسخ حينئذ فى حق المشركين خاصة