بشرط إدارة المماثل فقط فى حيز الاستثناء وأن يجعل قوله تعالى : وأنتم حرم من تتمة المستثنى بأن يكون حالا عما استكن فى محلى ليصح الاستثناء إذ لاصحة له بدون هذين الاعتبارين فسوق العبارة يقتضى أن يقال : وهم حرم لأن الاستثناء أخرج المحلين من زمرة المخاطبين واعتبار الالتفات هنا بعيد لكون رافعا فيما هو بمنزلة كلمة واحدة وعلى الثانى يجب تخصيص العقود بالتكاليف الواردة فى الحج وتأويل الكلام الطلبى بما يلزمه من الخبر مع مايلزمه من الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بالاجنبى وكل ذلك تعسف أى تعسف انتهى وكأنه C تعالى لم يذكر احتمال كون الاستثناء من الاستثناء مع أن القرطبى نقله عن البصريين لأن ذلك فاسد كما قاله القرطبى وأبو حيان لامتعسف إذ يلزم عليه إباحة الصيد فى الحرم لأن المستثنى من المحرم نعم ذكر أبو حيان أنه استثناء من بهيمة الأنعام على وجه عينه وأنفه التكلف والتعسف فقد قال C تعالى : إنما عرض الإشكال فى الآية حتى اضطرب الناس فى تخريجها من كون رسم محلى بالياء فظنوا أنه اسم فاعل من أحل وأنه مضاف إلى الصيد اضافة اسم الفاعل المتعدى الى المفعول وأنه جمع حذف منه النون للإضافة وأصل غير محلين الصيد .
والذي يزول به الإشكال ويتضح المعنى أن يجعل قوله تعالى : غير محلى الصيد من باب قولهم : حسان النساء والمعنى النساء الحسان وكذا هذا أصله غير الصيد المحل والمحل صفة للصيد لا للناس ووصف الصيد بأنه محل إما بمعنى داخل فى الحل كما تقول أحل الرجل أى دخل فى الحل وأحرم أى دخل فى الحرم أو بمعنى صار ذا حل أى حلالا بتحليل الله تعالى ومجىء أفعل على الوجهين المذكورين كثير فى لسان العرب فمن الأول أعرق وأشأم وأيمن وأنجد وأتهم ومن الثانى أعشبت الأرض وأبقلت واغد البعير وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلا باعتبار الوجهين اتضح كونه استثناءا ثانيا ثم ان كان المراد ب بهيمة الأنعام أنفسها فهو استثتاء منقطع أو الظباء ونحوها فمتصل على تفسير المحل بالذى يبلغ الحل فى حال كونهم محرمين فان قلت مافائدة هذا الاستثناء بقيد بلوغ الحل والصيد الذى فى الحرم لايحل أيضا .
قلت الصيد الذى فى الحرم لايحل للمحرم ولا لغير المحرم والقصد بيان تحريم ما يختص تحريمه بالمحرم فان قلت ماذكرته من هذا التوجيه الغريب يعكر عليه رسمه فى المصحف بالياء والوقف عليه بها .
قلت قد كتبوا فى المصحف اشيأء تخالف النطق نحو لأذبحنه بالألف والوقف اتبعوا فيه الرسم انتهى .
وتعقبه السفاقسى بمثل ماقدمناه من حيث زيادة الياء وفيها التباس المفرد بالجمع وهم يفرون من زيادة أونقصان فى الرسم فكيف يزيدون زيادة ينشأ عنها لبس من حيث إضافة الصفة للموصوف وهو غير مقيس وقال الحلبى : إن فيه خرقا للإجماع فانهم لم يعربوا غير إلا حالا وإنما اختلفوا فى صاحبها ثم قال السفاقسى : ويمكن فيه تخريجان : أحدهما أن يكون غير استثناءا منقطعا و محلى جمع على بابه والمراد به الناس الداخلون حل الصيد أى لكن إن دخلتم حل الصيد فلايجوز لكم الاصطياد والثانى أن يكون متصلا من بهيمة الأنعام وفى الكلام حذف مضاف أى أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا صيد الداخلين حل الاصطياد وأنتم حرم فلايحل ويحتمل أن يكون على بابه من التحليل ويكون الاستثناء متصلا والمضاف محذوف أى إلا صيد محلى الاصطياد وأنتم حرم والمراد بالمحلين الفاعلون فعل من يعتقد التحليل فلا يحل ويكون معناه أن صيد الحرم كالميتة لايحل أكله مطلقا ويحتمل أن يكون حالا من ضمير لكم وحذف المعطوف